تجفيف الينابيع.. ثورة في علاج السرطان
20/12/2005
الأوعية الدموية تمد الورم السرطاني بالغذاء
تتجه آمال الملايين في العالم نحو نوع جديد من الأدوية، يستهدف بفعالية كبيرة الجزيئات البروتينية التي تغذي نمو خلايا السرطان، حيث يتم معالجة العضو المصاب بوقف كل إمكانيات امتداد الورم إلى أجزاء أخرى بالجسم، وذلك بحرمان الورم نفسه من موارده الغذائية التي تمكنه من الحياة.
وبالفعل فإن التجارب والأبحاث التي قام بها العلماء أفضت إلى نتائج مذهلة، فبات إدراك الطبيب لمدى تجاوب المريض مع الدواء أو العكس أسرع، بشكل يسبق انتقال الورم من عضو مصاب لآخر سليم، وكما لم يحصل من قبل، وبالتالي يمكن للطبيب أن يعدل طريقة العلاج إذا تطلب الأمر ذلك. كما يمكن في هذه الحالة للطبيب المعالج أن يقارن بين وضعية الورم عند اكتشافه والتحولات التي طرأت عليه بعد العلاج.
وحول العلاج الذي توصل العلماء إلى اكتشافه، فهو عبارة عن عقاقير تستهدف الجزيئات البروتينية المغذية للخلايا السرطانية، فتعمل على إبطال مفعولها ووقف إمكانية انتشارها وتكاثرها من خلال تدمير أوعيتها المتوالدة، مقدما بذلك مستقبلا واعدا لإمكانية وقف نمو الأورام في مختلف أجهزة الجسم.
ومن جانبه فقد أكد الدكتور حمدي محمد زوام أستاذ علاج الأورام بكلية الطب جامعة القاهرة على أن العلاجات القائمة على وقف عملية توليد الأوعية السرطانية أثبتت فعاليتها وأن معظم علاجات السرطان الجديدة تعتمد على حجب المواد الغذائية الضرورية عن الورم بمهاجمة إمداداته الغذائية بدلا من مهاجمة الخلايا السرطانية مباشرة وبالتالي يمكن معالجة العضو المصاب في مرحلة أولى بوقف كل إمكانيات تمدد الورم إلى أعضاء أخرى.
أما عن سبل حرمان الورم من المغذيات، فقد توجت الدراسات لكشف دور مجموعة البروتينات، التي تعرف باسم "عامل النمو البطاني للأوعية الدموية " (VEGF) في توليد الأوعية السرطانية، وما تقوم به لتعزيز تغذية الأورام السرطانية، فهذه الجزيئات البروتينة هي المسئولة عن نمو الأوعية الدموية بما فيها الأوعية السرطانية الجديدة التي تغذي نمو خلايا السرطان.
جنود الورم تهاجم الأوعية
يحتاج الورم الخبيث إلى الأكسجين وعناصر الغذاء لنموه والتي تصل إليه عن طريق الأوعية الدموية، وإذا حيل بينه وبين ذلك الإمداد الدموي فلن ينمو أكثر من 1-2 ملم.
وهكذا يتوقف زاد الخلايا السرطانية اليومي على قدرتها في الاستيلاء على وعاء دموي وامتصاصه، أو توليد أوعية جديدة بواسطة الإفرازات البروتينية " growth factors " محفزة بذلك عملية توليد أوعية دموية، وينظر لتلك الإفرازات كأبرز المتهمين في عملية التغذية الوعائية للأورام، فعندما تفرز هذه المادة تلتصق بمستقبلات الخلايا الطلائية المبطنة لجدران الأوعية الدموية المجاورة وتعمل على تنشيطها وعلى الفور يتم توليد الأوعية الدموية الجديدة.
يحدث السيناريو السابق في حالة الأورام الوعائية، أما الأورام غير الوعائية فيتساوى معدل موت الخلايا مع معدل توليد الخلايا الجديدة، وبهذا يبقى الورم على ما يعرف بحالة الكمون، ويكتم حاجته للغذاء إلى أن تحين الفرصة لمهاجمة وعاء دموي سليم، وفي هذه اللحظة يتحول الورم الخبيث إلى حيوان شرس يبحث عما يلتهمه بوحشية وجشع.
وبمجرد إعلان الورم عن حاجته إلى التغذية؛ يطلق إشارة البدء بالتحول الوعائي لصالح الورم الخبيث، فتنطلق جزيئات الـ(VEGF)، والتي تهاجم الوعاء الدموي السليم بطريقة شبه هرمونية، ليكون بذلك فريسة سهلة لتلك الجنود الطيعة التي أرسلها الورم الخبيث، وتبدأ بعدها في الالتفاف والانتشار حول الوعاء الدموي السليم تماما كما تنتشر بقعة زيت على ورق جاف، وتعمل تلك الجزيئات المجندة على تحويل اتجاه الوعاء الدموي السليم بطريقة تمكن الخلايا السرطانية من سد جوعها النهم، وما هي إلا أيام قليلة حتى تتمكن الخلايا السرطانية من توليد أوعية دموية خاصة تمدها بغذائها إلى حد الإشباع، وبهذا يحاط الورم بشبكة من الأوعية الدموية التي تؤمن له البقاء وتضمن له النمو، بل غزو أراض جديدة من الجسم المصاب، كما تلعب جزيئات الـ (VEGF) دورا مهما ليس فقط في توليد الأوعية السرطانية بل في الإبقاء على وجودها أيضا.
وهكذا تعمل تلك الخلايا على توليد أوعية سرطانية جديدة وغير سليمة، لا هم لها سوى إمداد الورم بحاجته من الدماء، وتعرف هذه العملية باسم عملية توليد الأوعية الدموية angiogenesis التي تسهم بشكل فعال في زيادة النمو السرطاني وتنشيط عملية الانبعاث أو الانتشار السرطاني للورم الذي أصبح نشطا الآن بفعل التغذية الدموية الجديدة.
للسرطان نقاط ضعف
تظل الأوعية الدموية الجديدة غير مكتملة النمو بالرغم من خطورتها وسرعة انتشارها، ولأن الورم كائن مضغوط فإنه لا يتحمل الصبر فيعمد إلى توليد أوعية أخرى جديدة في وقت قصير، لهذا تنتج الأوعية السرطانية ضعيفة وسهلة الاختراق رغم قدرتها على الهروب والاختباء ما بين داخل الورم وخارجه، بالإضافة إلى أن الأوعية التي يتولدها السرطان شديدة النفاذية بينما لا تنفذ السوائل من الوعاء الدموي السليم، وهكذا فإن للورم السرطاني أيضا نقاط ضعف ذلك أن الأوعية الدموية التي يولدها ليست على قدر من الكفاءة المثالية للمواجهة. وبالتالي يسهل اختراقها وتحويل مسارها إن لم يكن خنقها في مكانها وزمانها بمحاصرتها وتثبيتها عند العضو المصاب قبل أن تأخذ طريقها إلى الانتشار والتوسع.
سياسة تجويع الخلايا
تقلص الورم السرطاني بمضادات قادرة على قتل الأوعية الدموية
تشير أصابع الاتهام للجزيئات البروتينية (VEGF) كأساس في عملية توليد الأوعية الدموية، وتوفير الغذاء للأورام الخبيثة، الأمر الذي رشحها لتكون أرضا خصبة للأبحاث التي ترنو إلى علاج السرطان وتصدرت قائمة الخطط العلاجية وباتت على رأس التدخلات الدوائية الحديثة في مواجهة السرطان.
وبالفعل توصل عدد من الباحثين الفرنسيين إلى إنجاز غير مسبوق في معالجة الأورام السرطانية، وتقدموا بتقرير مفصل حول آخر ما توصلت إليه دراساتهم وأبحاثهم في المؤتمر السنوي العام للأورام السرطانية الذي نظمته وأشرفت عليه الجمعية الأمريكية للسرطان في أواخر أيار/مايو 2005 American Society of Clinical Oncology (ASCO) وقد احتل الإنجاز موقعا متقدما بين ما تم تقديمه في المؤتمر.
وحمل التقرير تأكيد وصحة ما اعتبره اختصاصيو الأمراض السرطانية لسنوات طويلة ضربا من ضروب العلم الخرافي، ألا وهو معالجة الورم السرطاني في موقعه، وأبرز التقرير حجم النجاح الذي حققوه على هذا الصعيد من خلال علاج تكون الأوعية الدموية في فترة قصيرة، بواسطة مضادات قادرة على قتل هذه الأوعية التي يولدها الورم السرطاني حتى يتمكن من الانتشار في كامل أنحاء الجسم.
والعلاج يتم بواسطة حقن متواصل بالمضادات يمكن متابعة نتائجه من خلال المشخص الإلكتروني "سكانر" القادر في خلال دقيقتين أن يتأكد من مرور الدواء إلى العضو المصاب، ثم يعمل الاختصاصي في التصوير الطبي على متابعة التحولات الطارئة على الورم السرطاني بفعل العلاجات الهادفة إلى وقف عمليات توليد أوعية دموية جديدة تمد الورم بالقدرة على الصمود والانتشار.
حملت هذه النتائج آمالا كبيرة لملايين المصابين في العالم، خصوصا أن تقديرات الشفاء تراوحت بين 78% و82% لمن عولجوا بهذه الطريقة.
كما عضدت بقوة النتائج التي أظهرتها التجارب الأخيرة في الولايات المتحدة صلاحية التجربة الأخيرة، حيث خلصت إلى أن إعاقة العوامل المسئولة عن نمو الأوعية الدموية باستخدام الأجسام المضادة ستكون فعالة في تجارب تتعلق بعلاج سرطان القولون.
ويأمل الباحثون في هذا المجال أن يتمكنوا في النهاية من استخدام مضادات التمدد الدموي للحيلولة دون نمو الورم بمنع وصول المواد الغذائية إليه. والقضاء على شبح السرطان القاتل والمميت في حال التأكد من نجاح هذه الوسيلة العلاجية المتطورة لعلاج الأورام السرطانية.
"أفاستين".. قريبا في الأسواق
والآن فمن واجبنا معرفة المصير الذي ينتظر هذا العلاج المأمول، فقد صرحت شركة الأدوية جينينتيك، ومقرها سان فرانسيسكو، أن عقارها التجريبي لمكافحة السرطان" أفاستين"، قد حصل على ترخيص خاص من إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية بدراسته على وجه السرعة، ومنح الترخيص يعني احتمال طرح العقار إلى الأسواق نهاية العام الحالي.
وبمصادقة إدارة الأغذية والعقاقير على عقار «أفاستين»، فإنه سيصبح أول دواء من فئة الأدوية التي تتوجه إلى تعطيل الأوعية الدموية المغذية للأورام، مما يؤدي إلى توقف نموها.
وكمؤشر أولي فقد تضاعفت قيمة أسهم الشركة منذ إعلانها في 19 مايو 2005 عن نتائج اختبارات سريرية موسعة أظهرت دور العقار في إطالة عمر المصابين بسرطان القولون فترة خمسة أشهر، المرض الذي يحتل المرتبة الثانية بعد سرطان الرئة من حيث انتشاره في الولايات المتحدة الأمريكية، وتتأهب الشركة الآن لاختبار "أفاستين" على أنواع أخرى من السرطان.
مواقع النشر (المفضلة)