يعتبر (الملحون) فنًّا شعريًّا وإنشاديًّا وغنائيًّا متميزًا بالمغرب، فهو تراث مكتنز يختزل مقومات الثقافة المغربية ومظاهر حياتها الأصيلة. فهو يتخذ من اللهجة العاميَّة أداتَه، ومن مضامين اللغة الفصحى بشعرها ونثرها، مادتَه التي تتلوّن مواضيعها بألوان التوسلات الإلهية، والمدائح النبوية، والربيعيَّات، والعشق، والهجاء، والرثاء. وبالرجوع إلى كتب التوثيق يظهر أن أولى بواكير فن "الملحون" ظهرت في "العهد الموحدي" خلال القرن السابع الهجري.
كما عرف في "العصر السعدي" تطورًا مهمًّا قبل أن يصل إلى درجة التألُّق والتطور في نهاية القرن 19، حيث انتشر بشكل واسع بين الطبقات، وطغى على مضمونه الطابع الديني قبل أن يطرق أبواب مواضيع أخرى استهلها بالطبيعة وختمها بالغزل.
ومع الزمن زاد اهتمام المغاربة به، خاصة في: فاس، وسلا، ومكناس، ومراكش، على مراحل متباعدة تأثر خلالها بعوامل عدة مشكلاً ما يشبه ديوان المغاربة وسجل حضارتهم بكبر معانيه، وعمق أفكاره، وقيمة الفوائد المبثوثة في شعره، وتنوع بنائه وبحوره، واتساعه في الزمان والمكان.
وعبر تلك العصور انتقل أداء "القصيدة الملحونية" من مجرد السرد في المساجد والزوايا، إلى اعتماد اليد في ضبط الإيقاع أو ما يسمى بـ"التوساد"، وقد توسد الأداء في البداية بآلة "التعريجة" أو "لكوال"، واتسع نطاق الآلات فيه بما يقتضيه التنوع بين الأقسام وأجزائها.
الملحون وإشكال التسمية :
هناك اراء متعددة تتضارب فيما بينها تحاول تحديد المعنى اللغوي لكلمة –الملحون- فالاستاذ محمد الفاسي يذهب إلى أن الملحون مشتق من التلحين بمعنى التنغيم لا من اللحن أي الخطأ في القواعد الإعرابية ، وذلك أن اللغة التي يستعملها شعراء الملحون هي لغة غير إعرابية ولها قواعدها واساليبها ولا يعقل ان يخطئ فيها المتكلم بها أو الناظم لها ثم يطلق هذا الخطأ على إنتاجه الشعري،وإنما جاء الالتباس في أذهان البعض من هذه الموافقة الصوتية بين المعنيين اللذين يؤديهما لفظ اللحن في اللغة العربية(1).
ثم يقول في موضع اخروأول ما يتبادر للذهن أنه شعر بلغة لا إعراب فيها فكأنه كلام فيه لحن،وهذا الاشتقاق باطل من وجوه ،لأننا لا نقابل الكلام الفصيح بالكلام الملحون ولم يرد هذا التعبير عند أحد من الكتاب القدماء لا بالمشرق ولا بالمغرب ،والذي أراه أنهم اشتقوا هذا اللفظ من التلحين بمعنى التنغيم لأن الاصل في هذا الشعر الملحون ان ينظم ليتغنى به قبل كل شيئ (2).ويستشهد على ذلك بقولة لابن خلدون حيث يذهب قائلا:.(.ونجد ما يؤيد هذا النظر في قول ابن خلدون في المقدمة في الفصل الخمسين في أشعار العرب وأهل الامصارلهذا العهد بعد أن تكلم عن الشعر المكتوب باللغة العامية فقال: (وربما يلحنون فيه ألحانا بسيطة لا على طريقة الصناعةالموسيقية) (3). ويعلل الفاسي ذلك ومعنى هذا أنهم لا يدخلون أشعارهم في ميازين الموسيقى المعروفة من بسيط وبطايحي ونحوهما،وإنما يجعلون لهاألحانا خاصة) (4). وهناك باحث اخر هو الدكتور عباس الجراري يأتي لكي يرد على طروحات الاستاذ محمد الفاسي وبالتالي يحاول بدوره الإسهام في إيجاد اشتقاق للفظة الملحون حبث يقولونحن نرى على العكس من هذا، أن التسمية اشتقت من اللحن بمعنى الخطأ النحوي)(5) حيث يذهب محللا ومناقشا اراء الفاسي من ثلاث وجهات :
إن الشعر الملحون لم يكن ينظم أول الأمر ليتغنى به، وإن اتخاذه للغناء تم في مرحلة ثانية.
2-
إننا حقالا نقابل الكلام الفصيح بالكلام الملحون، لأن الفصاحة قد تكون في الملحون وغير الملحون، وقد جانب الأستاذ الفاسي الصواب حين استعمل كلمة فصيح ليقابل بها كلمة ملحون، وما نظنه يجهل أن الذي يقابل الشعر الملحون هو الشعر المعرب وليس الفصيح .
3-
فهي استعمال هاتين التسميتين: المعرب والملحون متعارف عليه عند كل الذين تعرضوا للونين من الشعر،فابن سعيد يقول متحدثا عن بعض الشعراء وله شعر ملحون على طريقة العامة) والحلي يتحدث عن الفنون المستحدثة فيقولوهي الفنون التي إعرابها لحن وفصاحتها لكن وقوة لفظها وهن) ثم يقول (ثم تداوله العامة ومن لا أنس له بالقواعد ومن عجز عن الإعراب حتى صاروا ينظمونه ملحونا)
.ويضيف الجراري: أكثر من هذا أن المغاربة استعملوا الملحون في مقابل المعرب على حد ما نقرأ عند التادلي في فتح الأنوار حيث يقول الملحون يطلق على النظم غير المعرب)(6)
ويذهب باحث مغربي اخر وهو العربي بنتركة قائلا ولعل هذا التراث سمي بالملحون لعدم تغير ألحانه والتزامه باللحن الواحد)
يستغرب من لا تحدثو بخطابك....... الغريم فاللغا يسطابك
ويجول في حديثك وجواب لغاك
لو كنت ذات شاكية بعذابك......... يرباوا بالدموع اهذابك
لو كان ليك تصرخي بلغاك
بلسان حالها قالت لياما اخفاك حالي
............. يكفاك يا السايل عن حالي حالتي وحيلا
في صولة العمالة كنت وكانوا لي رجالي ..............قبايل لجناح لا تحكي كيفها قبيلا يشيدو بروج من لعمالة كل برج مالي ............ويعمروا بروج من مواهب ربنا جزيلا فيهوم كيحجبو كيف الملوك فالليالي ..........وايام الربيع يخرجوا للبطايح الحفيلة طلاب جاو ا هزمو بالحامية ابطالي ........... تركوني بعد العز فحالتي ذليلا وليت للعصارةشهدة صفاوا من امصالي ........... صابوه قوت ودوا للذات الفانية العليللا ومن امصالي صفاو شماعي يا لي صغا لي ............ وحكايتي للقدام القصة باقيا طويلا
اسايلني يتدبروا لمسالك ......... تركوا حشاي في هالك
لو كان من الهند قوامي تهلاك
داروني فتخوت زي ما يبدا لك ....... تبغي فقلبها عذالك
يتختوا حتى اسمتواو بلاك
وخرت من لتخوت لمهالك ......لقساوة الشموس كذلك
ذاتي يقصروا بهواجر وفلاك
وعلفتيل لفو توراقي يا لي صغا لي .............وبلا هوادة شعلوا فمواسطي فتيلا
ومتون من اطرافي تنشيها بلا عوالي ............ونلوحها على الحسكة قطرةصافية صقيلا نتفكر لعمالة وتزيد افراقها نكالي .............نتفكر القصرة ونعود قلايدي هليلا نتفكر العصارة وهجير الشاردة قبالي ........... ونقول وادب بكاي على ما صار لي اقبيلا يحق لي بكاي على الغربة ما وجدت والي ........ ...في مسلمين حبابي وسلامتي قليلا شحال منهلاك جرى لي كيف ما نبالي ............يا شوم ليعتي وبكايا وصادفت كل حيلا
سال اهل الحضرة اذا فرقت ابطالك ......وقبايل الجناح رجالك راك مع ارجالن يزهاو معاك بفنهوم يدركو ما يزها لك......وعلى السرور نادى فالك وديار كيراعيوا كما يرعاك
بيك يسهر فكل داج الحالك.....واذا ينصرف مشعالك
تدعي بالفراق ويقبال دعاك
تبات يا الشمعة تبكي وانت فشان عالي
.......... وجدوك يا الشمعة فمجالس رايقة حفيلا
وتبات يا الشمعة ترتي فضريح كل والي ............وفشحال من مقام يشعلوك اهل الوسيلة وتبات يا الشمعة بين اهل المال والموالي ............وعليك كيصرفو الاموال الطايقة الثقيلا
مواقع النشر (المفضلة)