لم أفقدك أيها الحبيب لكني فقدت قلبي
كتهبا إمام العربية العلامة محمود محمد شاكر فى رحيل الأديب الكبير مصطفى صادرق الرافعى
رحمة الله عليك ! رحمة الله عليك !
رحمة الله لقلب حزين ، وكبد مصدوعة
لم أفقدك أيها الحبيب ، لكني فقدت قلبي
كنتَ لي أملا أستمسِكُ به كلَّما تقطَّعت آمالي في الحياة .
كُنتَ راحةَ قلبي كلَّما اضطَرَبَ القلب في العناء
كنتَ الينبوعَ الرويَّ كلما ظمىء القلب وأحرقهُ الصدى .
كنتَ فجراً يتبلَّج نورُه في قلبي وتتنفس نسماتِهِ ،
فوجدتُ قلبي .. إذ وجدتٌ علاقتي بكَ .
لم أفقِدك أيها الحبيب ، ولكني فقدتًُ قلبي .
جزعي عليك يُمسِك لساني أن يقول ، ويُرسلُ دمعي ليتكلَّم .
والأحزانُ تجد الدمع الذي تذوب فيه لتهُون وتضَّاءَل،
ولَكِنَّ أحزاني عليك تجدُ الدمع تَروى منه لتنمو وتنتشِر .
وليسَ في قلبي مكانٌ لم يرِف عليهِ حبي لك وهواي فيك ،
فليس في القلب مكان لم يحرقه حزني فيك وجَزَعي عليك .
هذه دموعي تترجم أحزان قلبي ،
ولكنها دموعٌ لا تحسن تتكلّم .
عِشتُ بنفسٍ مُجدِبةٍ قد انصرَفَ عنها الخِصبُ ،
ثم رَحِمَ الله نفسي بزهرتين ،
ترِفَّانِ نضرة ورِواء .
كنت أجد في أنفاسهما ثروة الروضةِ المُمْرِعَةِ فلا أحِسُّ قفر الجَدْبِ !.
أما إحداهما فقد قطفتها حقيقة الحياة ،
وأما الأخرى فانتزعتها حقيقَةُ الموتِ،
وبقيتْ نفسي مجدبة تستشعر ذل الفقرِ .
تحت الثَّرَى .. عليك رحمة الله التي وسعت كلَّ شيءٍ ،
وفوق الثرى ... علي أحزان قلبي التي ضاقت بكل شيء ؛
تحت الثرى تَتَجدَّدُ عليكَ أفراحُ الجنة ؛
وفوق الثرى تتقادم عليَّ أحزان الأرض !
تحتَ الثرى تتراءى لروحِكَ كلُّ حقائق الخلود.
وفوق الثرى تتراءى لروحي كل حقائِقِ الموتِ .
لم أفقدك أيها الحبيب ، ولكني فقدت قلبي .
حضرَ أجلك فحضرتني همومي وآلامي .
فبين ضلوعي مأتَمٌ قد اجتمعت فيه أحزاني للبكاءِ
وفي روحي جنازةٌ قد تهيأت لتسير ؛
وعواطفي تشيِّعُ الميتَ الحبيب مطرقة صامتة ؛
والجنازة كلها في دمي – في طريقها إلى القبر
وفي القلب ... وفي القلبِ تُحفر القبور العزيزة التي لا تنسى .
وفي القلب يجد الحبيب روحَ الحياة وقد فرغ من الحياةِ .
وتجد الروحُ أحبابَها وقد نأى جثمانُها .
في قلبي تَجِدُ الملائكةُ مكانا طهَّرتْهُ الأحزانُ من رجسِ اللَّذاتِ .
وتجد أجنحتُها الروح الذي تهفهف عليه وتتحفَّى بِهِ .
هنا ... في القلبِ ، تتنزل رحمة الله على أحبابي وأحزاني
ففي القلب تعيش الأرواحُ الحبيبةُ الخالدة التي لا تَفنى .
وفي القلبِ تحفر القبور العزيزة التي لا تنسى .
لم تُبقِ لي بعدكَ أيها الحبيب إلا الشوقَ إلى لقائكَ
فقدتك وَحدي إذ فقدك الناسُ جميعا .
سما بك فرحُك بالله وقعدت بي أحزاني عليك .
لقد وجدتَ الأنس في جوار ربكَ ، فوجدت الوحشة في جوار الناس .
لم أفقدك أيها الحبيبُ ، ولكني فقدت قلبي .
لم تُبقِ لي بعدك إلا الشوق إلى لقائك .
رحمة الله عليك ، رحمة الله عليك !.
محمود محمد شاكر
الموضوع الأصلي: لم أفقدك أيها الحبيب ولكني فقدت قلبي // الكاتب: محمودعبدالهادى // المصدر: خير بلدنا الزراعي
مواقع النشر (المفضلة)