جميل إثارتك النقاش بهذا الأسلوب الجميل والذى يدل على ثقافة واعية وفكر مميز
كيف نشأ هذا المفهوم،
ومن أوّل الذاكرين له؟أول ذكر للمساواة عندالغرب، كان من خلال إعلان الاستقلال الأمريكي في (1190هـ1776م)، حيث أشير فيه إلىمبدأ المساواة بين الناس، بجانب ذكر بعض الحقوق، كحق الحياة وحق الحرية، ثم صدر بعدذلك إعلان الدستور الأمريكي عام (1201هـ-1787م)، وتعرض فيه لبعض الحقوق الإنسانية،ومنها إيجاب المساواةلكن في عودة إلى أصول الموضوع وجذورهباستخدام هذا المصطلح (المساواة) في الحقوق النسائية، فإنّ علاقة مفهوم المساواةبالمرأة، ولدت على أرض أوروبا النصرانية، التي كانت ترى المرأة مصدراً للمعاصي،ومكمن السيئاتِ والفجور، فهي جنسٌ يجتنبُ ولو كانت أمّـاً أو أختاً، وكان أصل هذهالدعاوى من الرهبان الذين شكّلوا قوّة أمام الحكوماتِ والرعايا، حتى صار الناس فيتوتّرٍ وكبتٍ شديدين، ولّدا فكرة: حرية المرأة، والمساواة بين المرأة والرجل"،وشعارهما رفض كل ما يتعلق بالكنيسة ورجال الدين، ثمّ تمادوا بذلك حتى وصلوا إلىالمناداة بمساواتها بالرجل وتحطيم جميع الفوارق بينهما، دينية كانت أم اجتماعية،فكلّ رجل وامرأة حرّ أن يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء لا سلطان لأحدٍ عليه بدين ولاأدبٍ ولا خلقٍ ولا سلطةبعد ذلك، تبنّت ( هيئة الأمم المتحدة ) قضية مساواة المرأة بالرجل دون تمييز، وعقدت اتفاقيات موضوعها الرئيس والوحيدمساواة المرأة بالرجل، وكان أوّل الأمر تحديداً قد تمثّل في اهتمام هيئة الأممالمتحدة بالمرأة منذ عام (1365هـ - 46م)، حين أنشئت ( لجنة مركز المرأة )، وهي هيئةرسمية دولية تتألف من خمس وأربعين دولة من الدول الأعضاء، تجتمع سنوياً بهدف عملمسودات وتوصيات وتقارير خاصة بمكانة المرأة وتقويم تلك الأعمال .بعد ذلكّ تطوّر الأمر وازداد النشاط في الهيئة إلى حدّ إعلان التوصياتوإصدار البيانات وكتابة الخطابات، وكذلك عقد المؤتمرات والندوات لتقرير تلكَالحقوق، ظاهراً ذلك كلّه على شكل دينٍ جديدٍ يجتاح العالم، متتابعاً كعقدٍ انفرط،فظهرت أبرز الإعلانات والمعاهدات واللقاءات والمؤتمرات، حتى عام (94م، 1415هـ) حينأقيم المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة بمصر. وتلاه مؤتمر بكين (1416هـ - 95م)، حيث كان هذان المؤتمران التتويج لتلكَ المسيرات الهادمة والتمكين لها، بأمورٍيندى لها جبين العاقل السليم الفطرة، سيأتي تفصيلها.إنّ كلّ هذاالذي يحدث، عائد إلى حركة نسائية (أو الحركة الأنثوية) تتبناها هيئة الأمم المتحدةممثلة برؤوس فعّالة ومؤثرة عندهم، ( وهي – أي الحركة - مذهب جديد، جيء به ليسودالعالم كله، ويحل محل العقائد والأديان والمذاهب سماوية أو غير سماوية، وهو مذهبٌجار على ما اختطه الغرب لنفسه حين تخلى عن الدين وابتدع عقائد ومذاهب من الوجوديةوالعقلانية والشيوعية والاشتراكية وغيرها، فيحطمون المطلق، ويهزّون الأسس والمبادئالفكرية والأساسية التي يقوم عليها المجتمع، ويؤصلون معاداة المرأة الرجل في حربٍمستعرة، تعامله كجنس شيطاني شرير، وتجعل بناء المجتمع قائماً على الفرد ( وليس علىالأسرة والعائلة ) ، فالفرد مقصود بذاته في دراساتهم سواء كان رجلاً أو امرأة .
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة.
وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله-تعالى-وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض.
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.
وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة
ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى.
بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاً منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه.
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.
بل ومن المحاسن-أيضاً-أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن نهى الزوج أن يضرب زوجته بلا مسوغ، وجعل لها الحق الكامل في أن تشكو حالها إلى أوليائها، أو أن ترفع للحاكم أمرها؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله-تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) الإسراء.
وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب.
قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها) رواه البخاري ومسلم.
فهذا الحديث من أبلغ ما يمكن أن يقال في تشنيع ضرب النساء؛ إذ كيف يليق بالإنسان أن يجعل امرأته - وهي كنفسه - مهينة كمهانة عبده بحيث يضربها بسوطه، مع أنه يعلم أنه لا بد له من الاجتماع والاتصال الخاص بها.
ولا يفهم مما مضى الاعتراض على مشروعية ضرب الزوجة بضوابطه، ولا يعني أن الضرب مذموم بكل حال.
لا، ليس الأمر كذلك؛ فلا يطعن في مشروعية الضرب إلا من جهل هداية الدين، وحكمة تشريعاته من أعداء الإسلام ومطاياهم ممن نبتوا من حقل الغرب، ورضعوا من لبانه، ونشأوا في ظله.
هؤلاء الذين يتظاهرون بتقديس النساء والدفاع عن حقوقهن؛ فهم يطعنون في هذا الحكم، ويتأففون منه، ويعدونه إهانة للمرأة.
وما ندري من الذي أهان المرأة؟ أهو ربّها الرحيم الكريم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟
أم هؤلاء الذين يريدونها سلعة تمتهن وتهان، فإذا انتهت مدة صلاحيتها ضربوا بها وجه الثرى؟
إن هؤلاء القوم يستنكفون من مشروعية تأديب المرأة الناشز، ولا يستنكفون أن تنشز المرأة، وتترفع على زوجها، فتجعله-وهو رأس البيت-مرؤوساً، وتصر على نشوزها، وتمشي في غلوائها، فلا تلين لوعظه، ولا تستجيب لنصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره.
تُرى كيف يعالجون هذا النشوز؟ وبم يشيرون على الأزواج أن يعاملوا به الزوجات إذا تمَرَّدْنَ ؟
لعل الجواب تضمنه قول الشنفرى الشاعر الجاهلي حين قال مخاطباً زوجته: إذا ما جئتِ ما أنهاكِ عنه *** فلم أنكر عليك فطلقيني
فأنتِ البعلُ يومئذٍ فقومي *** بسوطك-لا أبا لك- فاضربيني نعم لقد وجد من النساء - وفي الغرب خاصة - من تضرب زوجها مرة إثر مرة، والزوج يكتم أمره، فلما لم يعد يطيق ذلك طلَّقها، حينئذٍ ندمت المرأة، وقالت: أنا السبب؛ فلقد كنت أضربه، وكان يستحيي من الإخبار بذلك، ولما نفد صبره طلَّقني!
وقالت تلك المرأة القوامة: أنا نادمة على ما فعلت، وأوجه النصيحة بألا تضرب الزوجات أزواجهن!
لقد أذن الإسلام بضرب الزوجة كما في قوله-تعالى-: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) النساء: 34.
وكما في قوله - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع: (ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح).
ولكن الإسلام حين أذن بضرب الزوجة لم يأذن بالضرب المبرح الذي يقصد به التشفي، والانتقام، والتعذيب، وإهانة المرأة وإرغامها على معيشة لا ترضى بها.
وإنما هو ضرب للحاجة وللتأديب، تصحبه عاطفة المربي والمؤدب؛ فليس للزوج أن يضرب زوجته بهواه، وليس له إن ضربها أن يقسو عليها؛ فالإسلام أذن بالضرب بشروط منها: أ- أن تصر الزوجة على العصيان حتى بعد التدرج معها.
ب- أن يتناسب العقاب مع نوع التقصير؛ فلا يبادر إلى الهجر في المضجع في أمر لا يستحق إلا الوعظ والإرشاد، ولا يبادر إلى الضرب وهو لم يجرب الهجر؛ ذلك أن العقاب بأكثر من حجم الذنب ظلم.
ج- أن يستحضر أن المقصود من الضرب العلاجُ والتأديب والزجر لا غير؛ فيراعي التخفيف فيه على أحسن الوجوه؛ فالضرب يتحقق باللكزة، أو بالمسواك ونحوه.
د- أن يتجنب الأماكن المخوفة كالرأس والبطن والوجه.
هـ - ألا يكسر عظماً، ولا يشين عضواً، وألا يدميها، ولا يكرر الضربة في الموضع الواحد.
و- ألا يتمادى في العقوبة قولاً أو فعلاً إذا هي ارتدعت وتركت النشوز.
فالضرب - إذاً - للمصلحة لا للإهانة، ولو ماتت الزوجة بسبب ضرب الزوج لوجبت الدية والكفارة، إذا كان الضرب لغير التأديب المأذون فيه.
مواقع النشر (المفضلة)