شعب مديون ثم مسجون بضمان صورة البطاقة الشخصية !!
بقلم : صفوت أبو طالب
عندما تزور دول الخليج تلاحظ أن معظم مواطنيها وكذلك معظم وافديها يحصلون علي تسهيلات وقروض بنكية من البنوك.. بل إنك ربما تلاحظ أن كل البنوك تتنافس علي تقديم القروض بتسهيلات أيسر.
وفي أغني دول الخليج الست يرددون مقولة شهيرة مفادها "أنك لو قابلت مواطناً غير مديون لأي من البنوك" فتأكد أنه ليس من مواطني أو من وافدي تلك الدولة.. فللأسف نجحت البنوك في جعل كل شعب هذه الدولة وكذلك معظم الوافدين إليها مدينين للبنوك.
وكما تعودنا.. وكذلك كما ترسب في ثقافتنا أن الشعوب المدينة لا تملك قرارها..و بالتالي يسهل في كثير من الأحيان توجيهها باتجاه بوصلة الحاكم أو باتجاه بوصلة أصحاب البنوك الدائنة.
وهنا في مصرنا المحروسة تعرض الكثير من كبار.. كبار رجال الأعمال للفضيحة.. أو للسجن والفضيحة.. أو للهرب للخارج والفضيحة أيضاً بسبب استدانتهم من البنوك.. وبعد طول عذاب.. ومفاوضات ماراثونية دامت لسنوات طويلة تم مؤخراً تسوية ديون هؤلاء وأعيد جدولتها..وعادوا جميعاً ليمارسوا دورهم في الاقتصاد الوطني علي أمل تعويض ما فاتهم واستعادة طهارة أسمائهم.
لكن يبدو أن حكايات فضح كبار رجال الأعمال لم تفلح تماماً في فقد المستثمر الأجنبي ثقته في اقتصادنا.. كما أن تورطات هؤلاء من رجال الأعمال في القروض لم تنجح أصلاً في تشويه صورة "رجال الأعمال" في ذهنية المواطن بل ربما تكون قد أساءت أو شوهت صورة المسئولين في البنوك أو في الحكومة.. لأن الخبراء وكذلك العامة يدركون أن اقتراض رجل الأعمال من البنوك يعتبر أمراً طبيعياً وضرورياً ويتم في كل دول العالم لدرجة أن البعض يؤكد أنه لا يوجد رجل أعمال في أية دولة يخاطر بإنفاق فلوسه أو مدخراته.. بل إنه دائماً ما ينفق علي مشروعاته من أموال البنوك أي من القروض.. وشطارة رجل الأعمال تظهر دائماً في قدرته علي تحويل أحلام دراسات الجدوى الاقتصادية إلي حقائق وإلي أرباح حقيقية تساعده علي سداد ديون البنوك وكذلك علي زيادة رأسماله.
لذلك تفتق ذهن البنوك الأجنبية الجديدة..والكثيرة.. من تلك البنوك التي انتشرت فروعها في بلدنا عن ضرورة فتح باب الاقتراض والتسهيلات لأكبر عدد من المواطنين.. وبدلاً من تركيز أموال القروض الكبيرة علي عدد محدود من رجال الأعمال يتم توزيعها علي أكبر عدد من الناس.. وبالتالي سيتحول معظم شعبنا الطيب إلي مدينين للبنوك.. وكما هو معلوم فإن الشعوب المدينة تظل دائما تحت السيطرة.. وهكذا فنحن جميعاً في طريقنا السريع.. والسهل.. والمضمون نحو السجون.. لأننا بالقطع لن نتمكن من سداد أقساط ديوننا المتلتلة لهذا البنك أو ذاك.. وحتماً ولابد أن نفاجأ في يوم من الأيام القريبة أن رجال شرطة تنفيذ الأحكام يطرقون أبوابنا لتنفيذ عقوبة السجن بسبب ديننا لهذا البنك أو ذاك.
وللأسف الشديد فنحن جميعاً معرضون للسجن لأننا يستحيل أن نصمد في وجه التسهيلات والتيسيرات التي تقدمها البنوك.. فكثيراً ما تجد تليفونك المحمول يدق وتستمع إلي صوت ناعم يأتيك من الطرف الآخر ليعرض عليك قرضاً كبيراً دون أية ضمانات.. وتجد صوتاً آخراً يعرض عليك قرضاً أكبر دون أي ضامن.. وإن لم تقع في الفخ الأول أو الثاني يأتيك عرض ثالث من بنك ثالث ليعرض عليك قرضاً أكبر وأكبر وبضمان صورة بطاقتك الشخصية أو الرقم القومي.. وهكذا وبكل بساطة يمكن أن يأتي علينا يوم قريب نكتشف فيه أننا جميعاً أصبحنا مدينين "بضمان صورة البطاقة الشخصية"..وربما نصبح أيضاً مسجونين وبنفس التسهيلات.. أي بضمان البطاقة الشخصية!
مواقع النشر (المفضلة)