نتابع سير بعض الشاعرات العربيات، ونتابع اليوم بشاعرة يعرفها الجميع
شاعرة قضت عمرها زاهدة ، وقد شاع شعرها في حب الله تعالى في الآفاق
ألا وهي
رابعة العدوية
هي رابعة بنت إسماعيل العدوي قد كنيت باسم أم الخير
كان مولدها حاولي سنة 100 هجرية موافق 718 ميلادية بمدينة البصرة
وتوفيت وهي في 80 من عمرها سنة 180 للهجرة
وكانت هي الإبنة الرابعة لوالديها ولهذا سميت باسم رابعة ،وكان والدها إنسانا فقيرا عابدا
وقد تربت يتيمة الأبوين إذ توفي والدها وهي دون العاشرة من عمرها ولحقت به والدتها بعد مدة قصيرة
فوجدت رابعة نفسها هي وإخواتها بدون عائل يساعدهن على الفقر والجوع ، فذاقت مع أخواتها وبال اليتم والبؤس والشقاء
فلم يترك لهن والدهن شيئا من أسباب العيش إلا قاربا يعمل بنقل الناس في نهر من انهار البصرة ببضعة دراهم كما جاء في كتاب
( تذكرة الأولياء ) لصاحبه - فريد الدين عطار-
وفي زمان من ذلك العصر كانت البصرة قد قلت فيها مصادر الرزق ودب هناج الجفاف والقحط حتى أنه وصل الأمر إلى حد المجاعة
الأمر الذي حمل رابعة وأخواتها إلى ترك بيتهن بحثا عن الرزق ، ثم فرق الزمن بينها وبين اخواتها بعد انتشر اللصوص وقطاع الطرق
وقد خطفت رابعة منطرف بعض اللصوص وبيعت بستة دراهم لأحد التجار القساة من آل عتيك البصرية ، ولقد عاملها سوء معاملة وأذاقها
العذاب ألوانا
إن الباحثين لم تتفق آراؤهم على تحديد هوية رابعة العدوية منهم من يرى أنآل عتيق هم بني عدوة ولهذا يقال لها العدوية
أختلف الكثيرون في تصوير حياة وشخصية العابدة رابعة العدوية فقد صورتها الأفلام بأنها كانت في بداية حياتها فتاة لاهية قبل أن تتجه إلى
عبادة الله تعالى وطاعته ،بينما يتجه البعض إلى أنها تربت في بيت عفيف طاهر وبيئة إسلامية صالحة وحفظت القرآن وتدبرته وتدارست الحديث
وأنها زهدت في الزواج والحياة الدنيوية لأنها انصرفت إلى عبادة الله سبحانه ورأت في ذلك بديلا عن الزوج والولد.
وقد وهبها الله ملكة قول الشعر فسخرتها للبوح بما يخالج وجدانها من حب صاف لله وإيمان قوي
مقتطفات من بعض أشعارها في حب الخالق عز وجل
أحبك حبين حب الهوى
وحبّا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حبّ الهوى
فذكرُ شُغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهلُ له
فكشفُك الحُجب حتى أراكا
فما الحمدُ في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
*
*
*
يا سروري ومنيتي وعمادي
وأنيسي وعُدتي ومرادي
أنت روح الفؤاد أنت رجائي
أنت لي مؤنس وشوق كزادي
أنت لولاك يا حياتي وأُنسي
ما تشتتُ في فسيح البلاد
*
*
*
كم بدت مِنة وكم لك عندي
من عطاءٍ ونعمةٍ وأيادي
حُبك الآن بُغيتي ونعيمي
وجلاءُ لعين قلبي الصادي
*
*
*
ليس لي عندك ما حييت براحٍ
أنت منى مُمَكنُ في السواد
إن تكن راضياً عليّ فإني
يا مُنى القلب قد بدا إسعادي
راحتي يا إخوتي في خلوتي
وحبيبي دائما في حَضرتي
لم أجد لي عن هواه عِوضا
وهواه في البرايا مِحنتي
حيثما كنت أشاهِد حُسنه
فهو محرابي إليه قبلتي
إن أمت وجداً وما ثم رضا
واعَنَائي في الورى وشقوَتي
يا طبيب القلب يا كل المنى
جُد بوصلٍ منك يَشفى مُهجتي
يا سروري وحياتي دائما
نشأتي منك وأيضا نشوتي
قد هجرتُ الخلق جمعا أرتجي
منك وصلا فهو أقصى مُنيتي
*
*
*
وارحمتاً للعاشقين قلوبهم
في تيه ميدان المحبة هائمه
قامت قيامة عشقهم فنفوسهم
أبداً على قدم التذلل قائمه
إما إلى جنات وصل دائما
أو نار صدٍ للقلوب ملازمه
*
*
*
وزادي قليل ما أراه مُبلّغي
أللزاد أبكي أم لطول مسافتي
أتحرقُني بالنار يا غاية المنى
فأين رجائي فيك أين مخافتي
*
*
*
إني جعلتك في الفؤاد محدثي
وأبحتُ جسمي من أراد جلوسي
فالجسم من للجليس مؤانس
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
*
*
*
كأسي وخمري والنديم ثلاثة
وأنا المشوقة في المحبة رابعه
كأس المسرة والنعيم يديرها
ساقي المدام على المدى متتابعه
فإذا نظرت فلا أُرى إلا له
وإذا حضرت فلا أُرى إلا معه
وقالــــت
يـا خليّ البال قد حـرت الفكـر * صمّ عـن غيرك سمعي والبصر
هجـت نـار الحبّ فـي وجنتنا * لـن لنـا قلبـاً قسيـاً كـالحجر
أرجـع النظــرة فينـا مـقبلاً * لا تـركنـا كـهشيم المحتضـر
لـيس ينجيني مـن الغم سـوى * أجـل جـاء وأمـر قـد قـدر
ضجّت النفس مـن الموت أسـى * قلتها كوني كمن يهـوى السفر
إنّمـا فيهـا نـزلنـا عـابـرين * لـيست الدنيـا لنـا دار مـقر
مـضت النـاس علـى قنطـرة * أنـت تـمضين عليهـا بـحذر
لا منـاص اليـوم ممّـا نـزلت * فتنـاديــن بهـا أيـن المفـر
فامسكي بالعروة الوثقـى التـي * إن تـمسكتِ بهـا تَلقـي الظفر
سادة قـد طـابت الأرض بهـم * حيث ما ينحون من رجس طهـر
في دجى الليل الغواشي المظلـم * بعضهم شمس وبـعض كـالقمر
في سماء المجد أبدوا مشـرقين * أنـجم تعـدادهـا اثنـي عشـر
هـم أمـان الخلـق طـرّاً كلمّـا * غـاب نجـم مـنهم نجم زهـر
هم عمـاد الـدين أنـوار الهدى * مَـن تولاهـم نجى مـن كلّ شر
هم ولاة الأمـر بعـد المصطفى * بـولاهـم كـلّ ذنـب يغتفــر
عن صراط الحـقّ مَـن شايعهم * عـاجلاً سهلاً بـلا خـوف عَبـر
خاتـم فيهـم كختـم الأنبيــاء * معلـن الحــقّ وقتّـال الكفـر
هــو حــبل الله للمعتصميـن * لعــدوّ الله ســيف مشتهـر
سيدي قد ذاب قلبي فـي هـواك * لا تـدعني إنّ دائـي ذو خطـر
وقالــــــت
خليلي ألا تدنو إلـى عيـن رائـق * تــروّ بكـأسٍ سـائـغ متــورّد
ورحل بهذا الدار وابـغ منـازلاً * رفيعـاً وسيعـاً زاكيـاً ذا تــسدّد
وجالس مع الأبرار واذكـر هنا لهم * حـديث حـبيب مـشفـق متـودد
فـطيّب لنـا نفساً بـذكر نـوالـه * وفـرّج بنـا همّـاً ببشـر مجـدد
هو الأصل في الإيجاد والكل فرعـه * بمـولـده كـان الصفـيّ مـولـد
فأحمـد إن كـان ابـن آدم صورة * وبـالصدق معنـا آدم بـن مـحمّد
هو العلم المأثور فـي ظلم الدجـى * هو العمد الممدود فـي كل مـرصد
هو الكوكب الدري فـي وسط السما * بـه مـن مضلات الغواشي لنهتدي
هو الأمن والإيمان والكهف والهدى * وهـذا هـو الديـن القويـم المؤيّد
وعتـرتُه خيـر البـريــة كلّهـا * هـم العـروة الوثقى وقصر المشيّد
بهـم فتـح الله الاُمـور بأسرهـا * علـى الخلـق طـراً ظلهـم متمدد
فهم حجج الرحمن قدماً على الورى * وفيهـم كتـاب الله بـالحقّ يشهـد
معاندهم لـو كـانت الأرض كلهّـا * لهـا ذهبـاً مـلآى بـذاك ليفتـدي
وشيعتهـم يـوم القيامـة حولهـم * علـى سـرر مستبشـرين مـروّد
لهم كلّ ما تشهي النفوس وكلّ مـا * تلـذ بـه الأبصار فـي كـل مورد
يقولون : أتمـم ربنـا نورنـا لنـا * فإنـا لهــذا اليـوم كنّـا نـزوّد
مـلائـكة يستقبلـون قـدومهـم * يـرونـهم مـن طيبيـن الممجّـد
يقولون لمّـا ينظـرون بـوجههـم * سـلام عليكـم فـادخلـوها مخلـد
فـلا تـمسكن إلاّ بحبـل ولائـهم * ولا تدحـرن عـن بـاب آل محمّـد
كفـاك بـذكـر الآل فخـراً ونعمـة * « حزينة » قومي واشكري وتهجّدي
وقالـــــت
ألا يا نديمي خلّني في غلا صدري * ألم ترَ سيل الدمع من مقلتي يجري
إلى الله أشكو ما أرى مـن أحبتي * لياليّ تمضـي فـي الكآبة بالسهر
يهينوننـي كالقاف حيـن تنزّلـت * وقـد كنتُ كالباء المرفّع في الحفر
أبيت وأمسي بيـن أهلـي غريبة * ودار أبي لي صار كالبدو في القفر
فكم جئتهم حُبّاً لهـم وكـرامـة * وكـم رفضوني في الشدائد والغمر
فكم من بليات أرى مـن جفائهـم * وكم مـن مصيبات يقل لها صبري
فكم من نهـار مـا تفرّغت ساعة * وكـم من ليال ما رقدت إلى الفجر
وإن مدّت الأيـدي إليهـم بحـاجة * يدي دون أيديهم تردّ إلـى نحـري
بلا جهـة مـن غيـر أنّي أحبّهـم * وداد غنـى لا عـن تملقـة الفقـر
وإنـي بحمـد الله ذات استطـاعـة * ولكـن من هجرانهم كسروا ظهري
لـداهيتي سمّيـت نفسـي حـزينة * سمـوم بليّـات أذوق مـدى دهري
تـلامـذتـي إن تسألنـي عبـارة * لكثـرة أشجـاني اُجـيب بـلا أدري
وكنتُ في غور مـن العلم خائضـة * خوض الحضيض لوجه الدر في البحر
فربـي كفيل فـي الاُمور جميعهـا * عليـه تـوكّلـت وفـوّضته أمـري
مواقع النشر (المفضلة)