وتغيير الأسلوب في (عشيا) لما أنه لا يجيىء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي كالمساء والصباح والظهيرة، ولعل السر في ذلك على ما قيل:
إنه ليس من الأوقات التي تختلف فيها أحوال الناس وتتغير تغيرا ظاهرا مصححا لوصفهم بالخروج عما قبلها والدخول فيها، كالأوقات المذكورة، فإن كلا منها وقت يتغير فيه الأحوال تغيرا ظاهرا، أما في المساء والصباح فظاهر، وأما في الظهيرة فلأنها وقت يعاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة(1)، فهو وقت عورة كما صرح بذلك في سورة النور.

وفي سر تخصيص الأولين في قوله تعالى:
(حين تمسون وحين تصبحون) في آية الروم بالتنزيه

والأخيرين (عشيا وحين تظهرون) بالتحميد، يقول البيضاوي:

إن تخصيص التسبيح بالمساء والصباح، لأن آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر، وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار .. والظهيرة التي هي وسطه، لأن تجدد النعم فيهما أكثر'(2) .

وما جاء في الحواشي الشهابية وكذا ما ذكره الآلوسي من أن هذا يرد عليه عطف ظرف الزمان (عشيا) على المكان
(في السموات)، وأن هذا وعكسه لا يجوز(3)، جوابه أنه يمكن جعله معطوفا على مقدر أي (وله الحمد في السموات والأرض) دائما (وعشيا)، على أنه تخصيص بعد تعميم، والجملة اعتراضية(4) وعليه يكون العطف في (وحين تظهرون) على قوله قبل: (وحين تمسون وحين تصبحون)، ويكون التخصيص في الثلاث بالتنزيه، وفي العشي بالتحميد.


(1) الآلوسي 21/45 مجلد 12.
(2) تفسير البيضاوي 7/380.
(3) حاشية الشهاب 7/380، والآلوسي 21/45 مجلد 12.
(4) السابقان.

وعلى نحو ما جاء الترتيب في تقديم العشي في حال الاستضعاف والخوف - أعني على الوجه الذي تراءى لنا- متناغما مع سياق الآيات التي قدمت فيها ومع نظمها.. يجيىء الترتيب كذلك في تقديم المقابل للعشي عندما يزال ذلك ويستشعر بدلا عنه معاني الأمن والقوة، والأمان والكثرة. ولعلك تجد صدى هذا في حديث القرآن عن أهل الجنة وتحديدا في قوله سبحانه عنهم:

(لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا .. مريم/62)

وفي حديثه عما كان من أمر زكريا عليه السلام عندما
(خرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا .. مريم/11)

وفي حديثه عن أهل الإيمان بعد أن مكن الله لهم وذلك في قوله:
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا.وسبحوه بكرة وأصيلا ..الأحزاب/41، 42).

فقد أضحى الذين زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة في مأمن من عناء الدنيا ومن عذاب جهنم
(لايسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون. لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون .. الأنبياء/102، 103)

وأضحى زكريا عليه السلام في مأمن عن أعين الرقباء والأعداء، وفي منعة من قومه الذين 'كانوا من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخله ويصلوا'(1).
كما تغير حال المؤمنين في المدينة بعد أن تهيىء لهم المجتمع الآمن المستقر، وبعد أن أذهب الله عنهم ما كان بهم من ضعف وصاروا ذوي بأس شديد ومنعة، ويمكن لك أن تستكنه هذه المعاني وتستشعر أنفة العظمة والعزة التي انخلعت على الصحب الكرام، وأنت تقارن ما جاء في آية الأحزاب بما جاء في قوله سبحانه عنهم:

(واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس .. الأنفال/26).

(1) تفسير أبي السعود 5/258 مجلد 3.
الأمر الذي يؤكد على أنه حتى عندما يكون أمر تقديم كلمة على كلمة متعلقا بما ذكره العلوي في الطراز تحت باب
(ما يجوز تقديمه ولو لم يفسد معناه)(1)، فإن بلاغة النظم القرآني تقتضي أن يجيىء التناسق والترتيب بين الكلمات تحقيقا للغرض، وأنه عندما يتغير الغرض من موضع إلى موضع آخر لا جرم يتغير معه ترتيب النظم. وإلا فـ"لو كان القصد بالنظم إلى اللفظ نفسه دون أن يكون الغرض ترتيب المعاني في النفس، ثم النطق بالألفاظ على حذوها لكان ينبغي - كما ذكر شيخ البلاغة - أن لايختلف حال اثنين في العلم بحسن النظم أو غير الحسن فيه لأنهما يحسان بتوالي الألفاظ في النطق إحساسا واحدا ولا يعرف أحدهما في ذلك شيئا يجهله الآخر(2).
وجه تخصيص طرفي النهار بالذكر دون سواهما:
ولا يعني هذا العنوان بحال أن يقصر التسبيح لله تعالى على الوقتين ويترك فيما عداهما. بل مراده البحث عن سر إفرادهما بالذكر، وبيان أنهما في ذلك وفي الدلالة على أهميتهما كإفراد التسبيح من بين الأذكار مع اندراجه فيهما لكونه العمدة(3).
هذا وقد تعددت الأقوال في سر تخصيص وقتي الغداة والعشي بالذكر ليكونا وما في معناهما زمنا لتسبيح الله وتنزيهه دون سائر الأوقات الأخرى. فمن قائل أن الوجه في ذلك:

(1) ينظر الطراز للعلوي 2/73.
(2) دلائل الإعجاز تحقيق محمود شاكر ص 51.
(3) تفسير الآلوسي 22/61 مجلد 12، وينظر 9/224 مجلد 6، والبيضاوي 7/495.

1- كونهما مشهودين أي يحضرهما ملائكة الليل والنهار، يلتقون فيهما ويتعاقبون على ابن آدم على نحو ما ورد في حديث أبي هريرة بلفظ : 'يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم، وهو أعلم. كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون'(1).
ولا وجه لما ذكره الشهاب من أن دلالة الحديث على ما ذكر محل نظر(2) على اعتبار أن عروجهم يتنافى مع كون الوقتين مشهورين بحضورهم ، ذلك لأن الحديث نص في الطريقة التي يكونون عليها أثناء حضورهم وشهودهم على بني البشر فضلا عن أنه كذلك نص في الصلاة التي تكون بوقتي الغداة والعشي. إذ ليسا إلا الفجر والعصر كما سبق تقريره، قال ابن بطال فيما نقله عنه ابن حجر:
'خص هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما ورفعهم أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم'(3).


(1) أخرجه البخاري 555 ،7429، 7486، 7223، ومسلم 632، والنسائي 1/240، 241، وأحمد 2/486، 257، 344، وابن حبان 1737، ومالك 1/170، والبغوي 380.
(2) حاشية الشهاب 7/495.
(3) فتح الباري 2/26.


2- أنهما مجامع أوقات الصلاة يقول الآلوسي فيما نقله عن بعض أهل العلم: يجوز أن يقال:
' تخصيص هذين الوقتين بالذكر دل على اختصاصهما بمزيد شرف، فيصلح ذلك الشرف سببا لتعيينهما للصلاة والعبادة، فإن لفضيلة الأزمنة والأمكنة أثرا في فضيلة ما يقع فيهما من العبادات'.
ويعلق الآلوسي على ذلك بالقول:
'وهذا عندي أصفى مما تقدم'(1) يعني من حمل التسبيح على ظاهر معناه من التنزيه والتسبيح لله سبحانه، ويشعر به ما أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردوديه عن ابن عباس في فضل صلاة الضحى وتعيين وقتها والاستدلال عليها من خلال قوله تعالى:
(يسبحن بالعشي والإشراق .. ص/18)

على ما سيأتي بيانه، كما يشعر به ما ورد عن بعض أهل العلم في المراد بالوقتين فقد قال الحسن:
' أريد بهما ركعتان بكرة كانتا قد فرضتا بمكة وركعتان مثلهما عشية '(2).
وقال قتادة: أريد بهما صلاة الغداة -أي الفجر- وصلاة العصر'(3).

ومن الأحاديث التي وردت في فضلهما وفي تعيين وقتهما قوله- صلى الله عليه وسلم - (4):
(من صلى البردين(5) دخل الجنة) زاد في رواية مسلم: (يعني العصر والفجر).

وأصرح منه حديث عمارة بن روبية وفيه: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)(6) يعني الفجر والعصر، ورواه الشيخان بلفظ: (من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وجبت له الجنة)(7)
وليس في هذا من الإشكال في الحمل على الحقيقة أوالمجاز.


(1) الآلوسي 23/257 مجلد 13.
(2) ينظرالآلوسي 24/118 مجلد 13.
(3) السابق.
(4) فيما أخرجه البخاري 574، ومسلم 635، وأحمد 4/80، والدارمي 1/331، وابن حبان1739.
(5) قال الخطابي فيما نقله عنه ابن حجر سميتا بردين لأنهما تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء ويذهب الحر [ينظر فتح الباري 2/42].
(6) أخرجه مسلم634وأحمد4/261وأبو داود427وابن أبي شيبة2/386وابن حبان1738.
(7) أخرجه الطبراني في الأوسط كما في المجمع 1/318 برقم 1789 من حديث عمارة بن رويبة أيضا.




يتبع .....

الموضوع الأصلي: // الكاتب: عبير // المصدر: خير بلدنا الزراعي

كلمات البحث

راعي عام زراعه عامة .انتاج حيواني .صور زراعية .الصور الزراعية .هندسة زراعية.ارانب. ارنب.الارنب.خضر.خضار.خضر مكشوفة.محصول.محاصيل.المحاصيل.ابحاث زراعية.بحث زراعي.بحث مترجم.ترجمة بحثية.نباتات طبية.نباتات عطرية.تنسيق حدائق.ازهار .شتلات.افات.افة.الافة.حشرات.حشرة.افة حشريا.نيماتودا.الديدان الثعبانية.قمح.القمح.الشعير.الارز.ارز.اراضي طينية. اراضي رملية.برامج تسميد.استشارات زراعية .برامج مكافحة.امراض نبات .الامراض النباتية.مرض نباتي.فطريات .بكتيريا.كيمياء زراعية .الكيمياء الزراعيه.تغذية .التغذية.خضر مكشوفة.صوب زراعية.السمك.زراعه السمك.مشتل سمكي. زراعة الفيوم.مؤتمرات زراعية.مناقشات زراعية.التقنية.براتمج نت.برامج جوال.كوسة, خيار,طماطم.بندورة.موز.بطيخ؟خيار.صوب.عنكبوت.ديدان.بياض دقيقي.بياض زغبي.فطريا