الفصل الخامس
الجزء الأول
مهمة الإسلام
وأما مهمة الإسلام فهي عبارة عن أمور:
الأمر الأول : إرشاد الخلق إلى العقيدة الصحيحة السالمة من الشبهات والخرافات الموجودة في عقائد الأديان الأخرى ،كما قال تعالى
(إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ) .
الأمر الثاني : بيان أن الدين نظام الحياة كلها ومنهاج السعادة في المصالح الدنيوية لا الأخروية فقط كما في الأديان الأخرى.
لهذا نظم الإسلام من المسلمين أمورهم كلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية ، في حين أن الأديان الأخرى إنما تهتم بامور الدين وبنا له اتصال بالدين من الدنيا .
ولهذا كان الإسلام دينا خالدا صالحا لكل زمان ولكل إنسان ، جامعا بين المصلحة الدينية والدنيوية
كما تدل عليه آية
(ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) ... الآية .
لأن الله تعالى ذكر في هذه الآية أن الذين يطلبون منه خير الدنيا والآخرة دعاؤهم مستجاب وطلبهم
مقبول ، ومعنى هذا أن الإسلام يأمرنا أن نطلب الدنيا ، ونسعى في الوصول إليها كما نطلب الآخرة.
لهذا كانت شريعة الإسلام موافقة لمصلحة الأنسان ، مصلحته لشؤون حياته.
إذا تفكر العاقل في الطهارة المشروعة للصلاة ، وجدها موافقة لمصلحة الإنسان كما شهد به الأجانب من الأوربيين ، ومن الطهارة المشروعة في الإسلام : " الختان " الذي أصبح الأوربيون
يعملون به الآن ، وقد جاءني طبيب ومهندس من السويد والدانمارك ، وطلبا مني أن أدلهما على من يختنهما ، وفعلا كان ما طلبا .
ومثل الختان حلق العانة ونتف الإبطين ، وتقليم الأظافر .
ومما شرعه الإسلام موافقا لمصلحة الأنسان - الرخصة التي تدعو الحاجة إليها -.
إن العمل بالرخصة واجب في الإسلام لا يجوز تركه إذا دعت الضرورة إليه .
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم )
( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ) (118).
والرخصة المشروعة في الإسلام مشروعة في العبادات والمعاملات ، أما العبادات فإن الله رخص للمريض أن يتيمم إذا خاف من الوضوء بالماء ، أو كان الماء باردا لا يقدر على استعماله ، وان يصلي بالنجاسة إذا عجز عن إزالتها أو عن اجتنابها ، ورخص له أن يصلي قاعدا إذا شق عليه القيام ، كما رخص في الفطر في رمضان للمسافر والمريض والمغلوب والمجهود ، ورخص للمسافر أن يصلي حسب استطاعته ، وكذلك الموظف تحت يد غيره له أن يصلي حسب استطاعته ،
كما بينته في كتابي ( كيف يصلي الموظف والخدام والمسافر والمعذور ).
ومن الرخصة المشروعة في الإسلام :
التداوي بالحرام إذا لم يكن دواء غيره .
ومن الرخصة التي قال ابن عباس والإمام ابن حنبل وجماعة من العلماء :
إطفاء شهوة الجماع بالحيلة إذا خاف الإنسان من الوقوع في الزنا رجلا كان أو امرأة .
والرخص المشروعة في الإسلام كثيرة والمقصود هو المثل.
ومما شرعه الإسلام موافقا لمصلحة الإنسان :
إباحة التمتع بالذات المباحة من الأطعمة والثياب والفراش ، كما تدل عليه آية
( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)
وفي الحديث
( أصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس) (119).
ومما شرعه الإسلام موافقا لمصلحة الإنسان :
الأمر بالتجارة وكسب المال كما تدل عليه آية
(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )
وقال تعالى
( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )
يعني : لا إثم عليكم في التجارة في الحج.
ويكفي في الدلالة على ما ذكرنا ان الإسلام يعتبر التجارة والحرفة أفضل من الصلاة والصيام ، كما دلت عليه أحاديث أوردناها في ( دلائل الإسلام ) .
ومما شرعه الإسلام موافقا لمصلحة الإنسان :
تحريم الربا والاحتكار والقمار والغش في المعاملات .
إنه من المعروف أن الربا ضد المعروف وإاثة الملهوف المحتاج إلى السلف ، وكذلك الأحتكار ،
أما القمار فضرره معلوم لكل عاقل لا يحتاج إلى بيان .
ومما شرعه موافقا لمصلحة الإنسان :
تحريم الزنا الذي يهتك حرمات الناس وينتهك شرف عائلاتهم.
ورد في الحديث :
أن شابا استاذن النبي ( صلى الله عليه وسلم )في الزنا ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
أتحبه لأمك ؟ قال لا يا رسول الله ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم) وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ، وهكذا لم يزل ( صلى الله عليه وسلم ) يذكر له أقاربه حتى فهم الشاب الحكمة في تحريم
الزنا . (120).
ولأجل المبالغة في المحافظة على كرامة الناس وشرف عائلاتهم ، أمر الإسلام بالحجاب ، ونهى النساء عن الاختلاط بالرجال ، لأن التجربة دلت على أن الاختلاط لا بد من أن يكون سبب في الفساد
وهتك الأعراض.
والإسلام يعتني بالأعراض كما يعتني أهل هذا الوقت بالمال الذي يحافظون عليه أكثر من محافظة
الإسلام على الاعراض وكرامة النساء.
ولا يخفى أن المحافظة على الأعراض أولى بالاحترام من المحافظة على المال وأحق بالاهتمام عند أصحاب النفوس الكريمة والعقول الصحيحية.
118) أخرجه أحمد (2/108).
119) أخرجه أحمد (4/180) وأيضا في (5/257) والبيهقي في الشعب (4/362).
120) أخرجه أحمد (5/257) والبيهقي في الشعب (4/362).
مواقع النشر (المفضلة)