القوميات
1-قومية"هان":
تتميز الصين عن سائر بلاد الدنيا قاطبة بتجانسها البشري الواضح, رغم كثرة عدد سكانها, ووجود 56 قومية بها , والفضل في ذلك يعود إلى قومية " هان" الكبيرة, التي تشكل حسب الإحصاءات الرسمية ما يزيد عن 90 % من عدد السكان, أي أن هناك نحو مليار و مائة مليون نسمة من عرق واحد, وهذا يعني تجانسا بين 20 % من سكان كوكبنا, وهذا التجانس لا يقتصر على العرق فحسب, بل يتعداه إلى التجانس في اللغة والتاريخ والثقافة وأسلوب التفكير, فاللغة الصينية " المندرين" في اللغة السائدة كتابة في عموم الصين ولدى جميع القوميات, مع احتفاظ بعض القوميات بلغتهم الخاصة. وقومية " هان" الكبيرة والكثيرة العدد تتحدث وتكتب لغة " المندرين" , مع وجود نسبة من أفراد هذه القومية تتحدث لغة" الكونتينير" , السائدة في الجنوب , وهي لغة تختلف عن لغة " المندرين" في اللفظ, وتتوافق معها في الكتابة, ولذا يمكن اعتبارها لهجة خاصة بأبناء جنوب الصين, ومثلها لهجة " شنهاي" , وغيرها هنا وهناك. وتتواجد قومية " هان" في كل أنحاء الصين, لكنها تتركز في المناطق دون أخرى , ولاسيما في السهول الشرقية , والشمالية الشرقية, ووسط الصين , و على ضفاف النهر الأصفر مهد الحضارة الصينية العريقة, ونهر اللؤلؤ , ونهر " اليانجسي".
وقومية " هان" شأنها شأن معظم القوميات الأخرى , ذات أصول منغولية صفراء, مما يضفي مزيدا من التجانس والتماثل بين قومية "هان" ومعظم القوميات الأخرى, والواقع أن قومية " هان"تعتبر مزيجا من القوميات المحلية القديمة التي انصهرت مع بعضها البعض لتشكل هذا النسيج المتجانس مع البشر , فقد كان هناك عدد من القبائل الرحل في الأرض الصينية الواسعة , ومن ضمن هذه القبائل الاستقرار مبتغاها , فأضحت من أوائل القبائل المستقرة, وكان استقرارها على ضفاف النهر الأصفر والسهول الشمالية الشرقية ,وما لبثت هذه القبيلة أن كونت ثقافة خاصة بها , أصبحت فيما بعد مثار إعجاب قبائل أخرى ,فانصهرت معها مكونة قومية " هان" الحالية, وخلال السنين المتعاقبة في الألفي سنة الماضية , تعرضت مناطق تواجد هذه القومية لعدد من الهجمات القادمة من الشمال والمخترقة للسور الذي تم بناؤه من قبل قومية " هان" على مر العصور , ومن ضمن هذه الموجات كانت قبائل " الهيون , والمنغولين , والمنشوريين" , الذين استطاعوا السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي , مما حدا ببعض أفراد هذه القومية إلى النزوح نحو الجنوب , غير أن هذه القوميات القادمة من الشمال ما لبثت أن استقرت مكونة قومياتها الخاصة بها , مع اندماج معظم أفرادها مع قومية هان الكبيرة. والواقع أن هذه الموجات من القوميات الأخرى عملت على إضافة المزيد من المعارف إلى ما كان متوفرا من حضارة سائدة. كما أن قومية " هان" استطاعت أن تتعايش مع القادمين وأن تصهرهم في بوتقتها, وكان آخر تلك الأقليات القادمة من الشمال " المنشورين" الذين ظلوا يحكمون الصين نحو 270 سنة , حتى تم إقصاؤهم من قبل الحزب الوطني عام 1911 للميلاد بقيادة الدكتور" صن يات سن". وهناك من يقول أن اسم " هان" لم يطلق على هذه القومية إلا في عصر إمبراطورية " هان" التي حكمت الصين نحو أربعمائة عام , وقبل فقد كان اسم تلك القومية " هاوزيا" أو " زازيا".
إن الزائر للصين يستطيع التمييز من حيث الشكل بين قومية هان وبعض القوميات الأخرى , مثل " اليوغور" , والطاجك,والمنغوليين" , لكنه قد يقف عاجزا عن إدراك أي تباين بين هذه القومية الكبيرة وبين بعض القوميات مثل قومية " منبا, و جينوة , و هاني ., و لاخو" وغيرها , لكن التباين قد يبدو واضحا في الرقص والأكل والغناء.
ومعظم أفراد قومية " هان" لا يؤمنون بدين , غير أن بعضا منهم يؤمن بالبوذية , وقليل يدينون بالإسلام, وأقل من ذلك يعتنق المسيحية , كما أن البعض منهم متأثرون بتعليم "كنفوشس" , وعددا أقل بالتعاليم "الطاوية ", " و البوذية".
والإسلام الذي دخل الصين في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه , جذب عددا من الصينيين إلى اعتناقه , بفضل العرب والفرس الذين قدموا إلى الصين للعمل في المجال التجاري , وقد كون هؤلاء الوافدون مع جماعات من قومية " هان " قومية جديدة في الصين تسمى قومية " خوى" , كما أن عددا من قومية " هان" اعتنق الإسلام في الفترة الخيرة , مع احتفاظهم بقوميتهم" الهانية".
وتستمد قومية " هان" معظم سلوكياتها من " الكنفوشيسية " , والتي تعتبر الأساس لثقافة " هان" , وهي فلسفة أخلاقية جلها حميد , وأسها سلوكيات الإنسان وأخلاقياته , وتربية النفس البشرية على الفضيلة , وقد نقل عن ط كنفوشس" قوله إن الفضائل الخمس هي : " فعل الخير ,الإخلاص , العدل , الاحتشام, الحكمة" انتهى , ولهذا فقد تشرب الكثير من الصينيين بهذه الفضائل , حيث أنها بقيت تتوارث جيلا بعد جيل , وخصوصا هذه القومية التي جعلت تعاليمه أساسا للتعامل الفردي والجماعي , كما أن من أخلاقيات هذه القومية طاعة الوالدين, والحرص على تنفيذ توجيهاتهم.
وكان الزواج لدى هذه القومية يتم عن طريق الوالدين,حيث كانت الأم تبحث لولدها عن زوجة مناسبة, وبعد موافقة والد الخطيبة و والدتها , يتم تحديد يوم الزواج وكيفيته , والأمور المالية والاجتماعية اللازمة دون تدخل من العروسين قبل ليلة الدخول بها, بأمل أن يكون ذلك فألا حسنا لحياة زوجية ناجحة , وكان يمكن للمرأة والرجل الزواج في سن مبكر , طالما أن والدي الزوج والزوجة قد قرروا ذلك , ويمكن للزوجين السكن مع أهل الزوج , أو الزوجة , أو بمفردهما , أما إذا كانا صغيري السن, في سن الثالثة عشر مثلا, فإن السكن في منزل الوالدين هو الغالب , ولم يعد هذا الأسلوب في الزواج قائما في الوقت الحاضر , بعد انفتاح الصين على العالم الخارجي , وتأثرها بالثقافات الأخرى, ولاسيما الغربية. كما أن الرجل هو سيد البيت , والمرأة عليها طاعته, وتنفيذ توجيهاته دون جدال, وكانت تنحصر وظيفة الزوجة في تربية الأطفال , وتجهيز الطعام , والقيام بما تتطلبه العمال المنزلية اليومية , بينما على الرجل القيام بالعمل خارج المنزل لتوفير سبل العيش الكريم, وهذا النمط من الحياة الزوجية, قد تغير مثل سابقه , وما يلحظه المقيم في الصين من سلوكيات حميدة قد يكون مرد جزء منه لإلى تلك التعاليم , إضافة لإلى الثقافات الأخرى التي ارتوت من معينها قوميات الصين المختلفة, وإلى الأخلاقيات الحميدة التي جبل عليها الشعب الصيني الكريم, وعموما فقد تأثر بهذه الثقافة أو بعضا منها معظم أبناء القوميات الصينية الأخرى, مما ساعد على انسجام هذه القوميات الصينية المختلفة. ومعظم أبناء قومية " هان" لا تدين بدين معين في الوقت الحاضر.
وليس لقومية " هان" رقصات أو موسيقى خاصة بها , بل هي مزيج مما لدى القوميات الأخرى , إضافة إلى ما وفد إليها في الفترة الانفتاحية الحالية من تأثر واضح بالغرب. وقومية " هان " تستلذ كل أنواع الأطعمة المعتادة وغير المعتادة, فيمكن أن تتنوع الموائد من لحوم الأغنام والأبقار إلى جميع أنواع الحشرات والزواحف. وهي في الجنوب "أكثر تنوعا منها في الشمال, غير أن لحوم الغنام غير مستساغة في الجنوب , بينما تشكل اللحوم البحرية طبقا رئيسا على الموائد في تلك المنطقة , وهناك تباين واضح في الموائد الصينية لقومية "هان" بين الشمال والجنوب , ففي الشمال يعتبر الخبز غذاء رئيسا على الموائد في تلك المنطقة , وهناك تباين واضح في الموائد الصينية لقومية " هان" بين الشمال والجنوب,ففي الشمال يعتبر الخبز غذاء رئيسا ,بينما في الجنوب لا تخلو الموائد من الأرز , مع إضافة شيء من السكر على معظم أنواع المأكولات, أما في أقصى الشمال فإن للبطاطس حضور جيد, وهذا عائد إلى التأثر بالأطعمة الروسية . والثوم والسمك عنصران رئيسان لا تخلو الأطباق الصينية منهما. والثوم يؤكل نيا ومطبوخا , ولا شك أن رائحته ستنتشر عبقها على الحاضرين , ليسعد بها المحبون له, أما أولئك غير الراغبين فيه, مثلي, فما عليهم إلا الصبر والاحتساب, ورائحته لا تتوقف عند أثرها المباشر, بل تخترق الجسم لتنبعث منه مرة أخرى , والأجر على قدر المشقة , والثوم لا يقتصر على الموائد الصينية فحسب, بل تستخدمه جميع شعوب العالم في موائدها , ومنها العربية. ويشرب الهانيون كثيرا من الشاي الصيني المشهور و اللذيذ , والذي يشتمل على أنواع كثيرة ومتخصصة , فهناك اعتقاد أن لكل نوع من أنواع الشاي تأثير إيجابي على الصحة العامة يختلف عن مثيله , وأغلبهم يعتقد أن الشاي الأخضر يحوي فوائد جمة , ولهذا فإن الزائر للصين سيجد أن سائق التاكسي يضع بجانبه حافظة لحرارة مليئة بالشاي الذي لا يتوقف السائق عن شربه. وطراز البناء الذي تستخدمه هذه القومية هو ذلك الطراز الصيني المعروف والمميز, لكن المواد المستخدمة في البناء تختلف طبقا للمناطق المختلفة , ففي الشمال حيث تكثر الجبال فإن في الجنوب حيث تكثر الجبال فإن المواد المستخدمة في البناء تكون في الغالب من الحجر , أما في الجنوب حيث تكثر الغابات والأخشاب فإن خشب الزان يستخدم بكثرة في البناء والتجميل الداخلي , ويحبذ الهانيون القاطنون في شمال الصين منازل ذات أبواب ونوافذ كبيرة للمساعدة في التهويه , وعموما فإن الهانيين يفضلون الألوان البيضاء و والرمادية , والحمراء , والصفراء.
مواقع النشر (المفضلة)