بولاق أو بولاق أبو العلا
هو حي قديم من أحياء مدينة القاهرة بالرغم أنها لم تكن في يوم من الأيام جزءا من مدينة القاهرة ، بل حتى لم تكن ضاحية لها!! فقد نشأت عواصم مصر بعيدا عنها. العاصمة الإسلامية الأولى هي "الفسطاط" جنوبي القاهرة الحالية عند حصن بابليون .. وعندما أنشأ العباسيون العاصمة الثانية لمصر الإسلامية أقاموها شمال الفسطاط ، وعرفت "بالعسكر". وعندما أنشأ أحمد بن طولون العاصمة الثالثة لمصر وسماها القطائع ، أقامها أيضا شمال شرق المعسكر .. حتى جوهر الصقلي الذي بدا بناء القاهر لتصبح رابع عاصمة لمصر الإسلامية أقامها أيضا: شمال شرق القطائع. وكل هذه العواصم لم تكن تطل على النيل باستثناء الفسطاط .. بل إن المعز لدين الله الفاطمي عندما وصل إلى مصر ليقيم في القاهرة التي بناها قائد جيوشه جوهر الصقلي ، عاتبه عتابا خفيفا عندما رأى موقع المدينة وقال له: "لو كنت أنشأتها قريبا من النيل يا جوهر!!".
وبالمناسبة ظلت الفسطاط عاصمة لمصر 112 سنة هجرية ، منذ بناها عمرو بن العاص عام 20هـ - 641م حتى عام 750م ، عندما زالت دولة بني أمية. ثم خلفتها مدينة العسكر كعاصمة مع العصر العباسي من 132هـ - إلى 254هـ ؛ أي من عام 868 م – إلى 905م ، وظلت عاصمة لمصر 39 سنة هجرية ، وعادت الفسطاط عاصمة لمصر مرة آخر من 293هـ إلى 358هـ أي من 905م إلى 969م لمدة سنة أخرى ، لتخلفها المدينة الجديدة القاهرة عاصمة لمصرعام 362هـ - 973م ، وذلك بوصول المعز لدين الله إلى القاهرة ، ومن هنا تعتبر القاهرة العاصمة الرسمية من ذلك التاريخ. وإتصلت هذه العواصم الأربع وإندمجت في مدينة واحدة .. ولكنها ظلت بعيدة عن النيل .. أي بعيدة عن بولاق!! وبالطبع ما دامت العاصمة في الجنوب .. كان ميناؤها في الفسطاط أي مصر القديمة "العتيقة" ، وهو في المكان المعروف الآن بإسم "أثر النبي" حيث يستقبل منتجات الصعيد .. والوجه البحري أيضا.
ثم بدأ الكلام عن بولاق على استحياء. وربما بدأت تأخذ شهرتها مع حملة بونابرت على مصر عام 1798م ، ومحاولة استخدام موقعها للوصول إلى مناطق الوجه البحري ..
واختلف الناس في معنى بولاق .. البعض قال إن أصل الكلمة هو "بو" أي الجميلة بالفرنسية .. و"لاك" أي بحيرة ، أي إن معنى الكلمة "البحيرة الجميلة" ثم تحرفت من بولاك إلى بولاق.. ولكن لا يوجد ما يؤكد هذا حيث أن بولاق كانت موجودة قبل الحلمة الفرنسية.
ويقول البعض الآخر أن أصل تكوين منطقة بولاق يعود إلى غرق سفينة كبيرة في هذا الموقع. ثم مع إطماء النيل بكثرة في هذه المنطقة بدأت الأرض تعلو ، وتتكون أرض جديدة هي بولاق الآن
وكانت الجزيرة المقابلة لها – وهي جزيرة الزمالك الآن – يطلق عليها اسم جزيرة بولاق ..
وتتحدث كتب التاريخ عن "الطرح السابع" للنيل ، الذي حدث عام 1771 م ، وتركز عند بولاق .. وكيف كسبت القاهرة زيادة كبيرة في مساحتها بفعل هذا الطرح. ثم كيف أنشأ علي بك الكبير عمارة كبيرة على ساحل النيل في تلك الأرض ، حيث يمر شارع المطبعة الأميرية ، وأن الأهالي كانوا يلقون الأتربة وبقايا البيوت بجوار هذا الساحل فطمي النيل عليها. بذلك تكونت الأراضي التي قامت عليها – في عصر محمد علي = دار المطبعة الأميرية والورش الحكومية ومصلحة الوابورات أي الترسانة. وأصبح الساحل الجديد عند بولاق ملتقى لتجار القمح والزيت والسكر وكانت المنطقة تزخر بالمدارس والمساجد والدور. وتؤم الشاطئ المراكب الشراعية المحملة بالبضائع القادمة من شمال مصر ..
وهكذا تحول الواقع بين القاهرة والنيل وبولاق من أرض تغمرها مياه الفيضان إلى هذا الحي الشعبي على ضفاف شاطئ النيل .. وقد أدى تحول طرق التجارة المصرية إبتداء من عصر برسباي "1421-1438م" وإعتمادها على تجارة البحر المتوسط ، بعد أن كانت تعتمد على تجارة البحر الأحمر عبر الطريق التقليدي "عيذاب – قوص – الفسطاط" بعد تخريب عيذاب في أواسط القرن التاسع الهجري .. بعد أن حدث كل هذا فقدت الفسطاط أهميتها الإقتصادية .. وبدأت التجارة تتجه إلى بولاق الذي أصبح ميناء بديلا لميناء أثر النبي الذي حرفه العامة إلى "أتر النبي" ، ولكن ميناء بولاق لم يلعب دورا في الحياة الإقتصادية للقاهرة إلا إبتداء من القرن الخامس عشر.
وبدأ الاهتمام بضاحية بولاق منذ الحملة الفرنسية على مصر. وكانت البداية شق طريق مستقيم يبدأ من منطقة الأزبكية إلى بولاق ، وقام بتمهيده المهندس "لوبيريه" كبير مهندسي الطرق والكباري في الحملة ، وغرس على جانبي الطريق الأشجار تسهيلا لمرور فرق الجيش الفرنسي. وكان هذا الطريق يصل ما بين الأزبكية وبولاق بعد مروره فوق قنطرة المغربي ، التي كانت مقامة فوق خليج الطويلة "الخليج الناصري القديم" مخترقا التلال الموازية للخليج. ولكن العصر الذهبي لحي بولاق بدأ مع عصر محمد علي باشا ، عندما أمر باستكمال شق الطريق بين "القاهرة .. وضاحية بولاق" ، وكان لهذا الطريق فعل السحر في تعمير بولاق ، كما أن محمد علي أنشأ هناك دارا لصناعة السفن مع بدء الإعداد لإرسال الحملة الوهابية ، وضرورة إنشاء أسطول قوي لمصر في البحر الأحمر.
ثم أخذ في تحويل المنطقة إلى منطقة صناعية ضخمة .. منها المسابك والمصانع حتى عرفنا المنطقة الصناعية في السبتية. وفيما بين بولاق وشبرا على ساحل النيل ، أقيمت الورش الكبرى والمطبعة الأميرية ودار الصناعة الكبرى والمباني الحكومية وحظيرة واسعة أطلق عليها اسم "المبيضة" ، حيث كان يتم "تبيض" الأقمشة بالأساليب المستحدثة. وكما أنشئ مصنع الخوخ على شاطئ النيل وإمتاز بجودة إنتاجه وأزيلت أنقاض بولاق ، مما بقي منذا أيام الحملة الفنرسية ، وتحولت إلى حي صناعي راق. فقامت فيه المصانع والمخازن ومساكن المهندسين ومدرسة صناعية كبيرة ، حتى أصبحت بولاق بحق ثغر القاهرة في الشمال ، وفيها أنشئت أول دار للطباعة في الشرق. وبجوارها أنشئ مصنع لصناعة الورق ليمد المطبعة بما تحتاجه ، بل أنشئ مسبك لسبك الحروف العربية اللازمة للمطبعة. وتحولت بولاق والسبتية – إمتدادها – إلى منطقة صناعية فيها مسابك الحديد ومصانع الأقمشة وورش النجارة والحدادة وغيرها.
وزاد الاهتمام بحي بولاق عندما خطط الخديوي إسماعيل "القاهرة الخديوية" ووصل التخطيط الجديد من ميدان الإسماعيلية جنوبا إلى نهاية شارعي شريف "المدابغ" وسليمان باشا. وكان لابد من تجـديد شارع بولاق "26 يوليو الآن" مع مشروع تخطيط ميدان الأزبكية .. لأن هذا الطريق هو بداية تعمير ضاحية بولاق الذي أدى إلى ربط القاهرة الجديدة بشاطئ بولاق ، ولم تعد بولاق مجرد ضاحية للمدينة الصاعدة .. ثم جاءت الطفرة التعميرية عندما تم إنشاء كوبري بولاق "أبو العلا" الذي افتتح في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني "حفيد إسماعيل" عام 1912م ، وكان ها الكوبري معجزة هندسية ليربط بين القاهرة وجزيرة الزمالك ، ثم يعبر النيل الآخر "البحر الأعمى" ليصل إلى إمبابة على اليمين ثم العجوزة والدقي على اليسار ، وتمتد فوق كوبري أبو العلا وإمتداده كوبري الزمالك ، خطوط الترام لتصل إلى ميدان الكيت كات في إمبابة يمينا وإلى شارع النيل عند العجوزة يسارا ، إلى حدائق الاورمان والحيوان وصولا إلى ميدان الجيزة ثم إلى منطقة الأهرام .. ويؤدي توفير الترام إلى انتعاش حركة تعمير منطقة غرب النيل في العجوزة والدقي والجيزة .. وإمتداد التعمير إلى منطقة إمبابة ذاتها.
وفي المنطقة بين بولاق وساحل النيل ، نجد سوق العصر ثم شمالا نجد جامع سنان باشا ، وهو أول مسجد كبير يقام على الطراز العثماني ، فقد كان سنان باشا من أوائل ولاة العصر العثماني ، ثم نجد سوق الحطب شرقي المطبعة الأميرية وشارع المطبعة الأهلية ، وعلى يسار شارع بولاق "26 يوليو" وخلف جامع السلطان أبو العلا نجد إصطـبلات الخاصة الملكية ، ثم نجد حي الحطابة حيث المقر الجديد والحالي لوزارة الخراجية بمبناها الشامخ ، ذات الملامح الفرعونية وتيجانه من زهرة اللوتس .. وجنوبها نجد شارع إصطبلات الطرق ومقر مصلحة نظافة العاصمة قبل إنشاء بلدية القاهرة. وجنوبها جمعية الرفق بالحيوان وكلها غير بعيدة عن شارع "ظهر الجمال" ولاحظوا العلاقة. بين سوق الحطب والحطابة والإصطبلات والرفق بالحيوان وظهر الجمال!!
من صولت إلى محال البوظة .. ومن المحروسة إلى أبو العلا وحمل الشارع الممتد من حديقة الأزبكية منذ بداية عصره اسم شارع بولاق .. ثم حمل اسم شارع فؤاد الأول إلى أن تغير مع ثورة 23 يوليو ، ليحمل اسم: شارع 26 يوليو إلى منطقة ميت عقبة مخترقا حي بولاق أبو العلا إلى جزيرة الزمالك عبر كوبري أبو العلا ثم كوبري الزمالك إلى نهاية سور نادي الترسانة على اليمين ونادي الزمالك على اليسار ، ليبدأ المحور المروري الجيد: محور 26 يوليو ، الذي يمتد ليصل إلى طريق القاهرة – الإسكندرية الصحرواي ومدينة 6 أكتوبر .. وتحول شاطئ بولاق إلى شاطئ للنزهة عند الغروب ، وكان حي بولاق يعج ببؤر تدخين الحشيش. وتمتد من كوبري بولاق الذي حمل شعبيا اسم كوبري أبو العلا إلى مقر جميعة الإسعاف ،
وكانت محال البوظة تملأ هذه المنطقة حتى منتصف القرن العشرين. وقامت العمارات الضخمة على طول الطريق من حديقة الأزبكية – إلى كوبري أبو العلا .. ومنها عمارة الجندول التي أقامها الموسيقار محمد عبد الوهاب مكان بار سان جيمس ، الذي كان يجلس فيه الشاعر أحمد بك شوقي وعمر لطفي المحامي .. وعمارة شيكوريل التي قامت مكان "بار صولت" الحلواني ، الذي كان مطعما ومحلا للحلوى ومشربا للخمر. وكان "صولت" هذا متلقى كبار الأدباء والشعراء والمثقفين والصحفيين ، يتقدمهم أحمد بك شوقي الذي كان مكانه المفضل بين العاشرة مساء والواحدة صباحا ! وحوله يتجمع الدكتور محجوب ثابت بك الطبيب الأديب ، والشيخ عبد العزيز البشري ومحمود فهمي النقراشي وعبد الحليم العلايلي ، وأمين الرافعي رئيس تحرير جريدة الأخبار "القديمة" وسليمان فوزي صاحب جريدة الكشكول وصالح البهنساوي الصحفي الشمهور في "الأهرام".
وفي محاذاة محل "صولت" الذي كان مصدرا للأخبار الصحفية كان يقع بار المحروسة الذي كان يجلس عليه الوجهاء من آل يكن وآل المانسترلي وغيرهم. وفي مواجهته كان يقوم بار بطرسبورج ، ثم نجد مقهى بور فؤاد حيث يجلسون على الأرصفة ثم على ناصية شارع بولاق مع شارع سليمان باشا كان يقع مقهى البور نور على الناحية المواجهة للأمريكين حاليا. ومع تحرك "الحي التجاري" من الأزهر والحمزاوي وشارع المعز شرقا نحو الموسكي والعتبة غربا. ثم مع تحرك الحي التجاري مرة أخر من العتبة والموسكي إلى القاهرة الخديوية وبالذات شارع بولاق "26 يوليو" ، تم إنشاء سلسلة من الفنادق المتنوعة الدرجة على إمتداد الشارع الذي أصبح محور الحي التجاري ، فمن كان لا يذهب للشراء كان يذهب للفرجة!! ومن أشهر هذه الفنادق: كلاريدج .. جلوريا .. إدن .. كارلتون .. جراند أوتيل .. إسكس .. إكس موراندي .. نيتوكريس .. أمية .. وهكذا.
وشهد محور شارع بولاق "فؤاد الأول ثم جلع 26 يوليو" إنشاء العديد من المباني العامة والعمارات الضخمة. ولعل أشهر هذه المباني دار القضاء العالي ، التي أقيمت لتكون مقار للقضاء المختلط. ولكي تنتقل هذه المحكمة من موقعها المجاور لمبنى صندوق الدين بين ميدان العتبة والأوبرا .. وإلى مقرها الجديد. إلا أن إلغاء القضاء المختلط بعد توقيع حكومة الوفد لإتفاقية مونترو عام 1937 أنهي هذا القضاء الذي كان صاحب فكرته نوبار باشا أول ناظر للنظار "رئيس الوزراء" في عصر الخديوي إسماعيل ، وأصبحت دار القضاء العالي رمزا للقضاء المصري بسبب المبنى الضخم ، الذي بني على الطراز الإيطالي بأعمدته وصالاته الواسعة وارتفاع مبانيه. ويلاصقه مبنى مصلحة الشهر العقاري الذي بني في الفترة نفسها التي شهدت بناء دار القضاء العالي. وقبل أن ترك هذه المنطقة لنعبر شارع رمسيس ، نتذكر أن أمام دار القضاء العالي تمت إقامة أحدث عمارة في الشارع عام 1938 هي عمارة لاجيفواز ، وبعدها نجد تلك العمارة الضخمة ذات المساحة الهائلة التي أقامها عميد عائلة الشواربي ، وتحت مربعا من شارع 26 يوليو ، ويمتد يمينا إلى شارع رمسيس. وهي من ضخامتها تضمن تصميمها عدة مداخل وممرات تحتها. وتتزين هذه العمارة التي لو هدمت لكانت خسارة كبيرة لتاريخ العمارية المصـرية ، وأقامت مكانها عشرات العمارات. تتزين بأعمال كريتال" حديد مشغول" وتماثيل وكرانيش من الجبس ، وتعلوها قباب مازالت صامدة رغم مرور أكثر من 100 عام هي عمر العمارة حتى الآن. وخلف هذه العمارة يقع سوق التوفيقية حيث عمارات أقيمت منذ عام 1900 و1903 و1910م. وهو أول سوق للأطعمة الطازجة والخضر والفاكهة ، منذ تركنا سوق العتبة ، وقبل أن نصل إلى سوق شارع بولاق الجديد. وعلى الضفة الغربي لشارع رمسيس مع تقاطعه مع شارع 26 يوليو ، نجد الجمعية المصرية للعلوم السياسية. وعلى الناصية الأخرى نجد مقر جمعية الإسعاف الملاصق لمبنى معههد الموسيقى العربية الذي تقرر إعتبـاره من الآثار ، ثم نجد كنيسة صغيرة لنصل إلى شارع الجلاء حيث نجد على اليمين مستشفى الجلاء للولادة ، الذي أقيم في عهد الملك فؤاد عام 1934 ولهذا حمل اسم "مستشفى فؤاد الاول للولادة" ثم تغير اسمه بعد 23 يوليو 1952م ليحمل اسم مستشفى الأوقاف .. وتغير الاسم للمرة الثالثة ليصبح اسمه الآن "مستشفى الجلاء للنساء والولادة" .. وأمامه نجد معهد ليوناردو دافنشي للفنون والعمارة. وكما نجد مقر شركة القاهرة للكهرباء والغاز منذ كانت إمتيازا لشركة ليبون الفرنسية.
ونمضي مع شارع 26 يوليو لنجد "متحف الركائب الملكية " ثم مسجد السلطان أبو العلا. ولم يكن أبو العلا سلطانا أو ملكا ، ولكنه حمل هذا الاسم لأنه كان سلطان .. المتصوفين!! وقد أعيد بناء هذا المسجد في عهد الملك فؤاد الأول (عام 1922م). وافتتحه الملك فؤاد بأداء صلاة الجمعة في 5 يونيو 1936م ن لنصل إلى شاطئ النيل عند بداية كوبري بولاق "أبو العلا" الذي أحالوه إلى المعاش ونقوله بعيدا لينتهي حي بولاق على الشارع الرئيسي الذي حمل اسم شارع بولاق .. ويقبع على البعد حي الزمالك بقصوره وفيلاته ، أي أن الكوبري كان يفصل بين الحي الشعبي بولاق والحي الراقي الإرستقراطي الزمالك !!
حي الصحافة والطبعة والدبلوماسية المصرية وحي بولاق هو بحق حي الصحافة في مص !! ففيه مقر جريدة الأهرام ، منذ انتقلت من شارع مظلوم عند تقاطعه مع شارع شريف في أواخر الخمسينيات بمبانيها الجديدة ومطابعها العصرية في شارع الجلاء .. ومقر مؤسسة أخبار اليوم منذ بني التوءم مصطفى وعلي أمين دار أخبار اليوم في أواخر الأربعينيات في هذه المنطقة ، التي كانت تعرف بإسم عشش الترجمان. ولدار اخبار اليوم المبنى التقليدي الدائري الذي أصبح رمزا لها .. والمبنى الصحفي الجديد على بعد أمتار منه .. وبجوار هذا المبنى كانت تقع جريدة المساء منذ أقيمت في الخمسنيات على مشارف عشش الترجمان. وإذا كان النصف الأول من حي بولاق المجاور لحديقة الأزبكية هو الجزء الراقي الحديث. فإن النصف الثاني على اليمين حيث عشش الترجمان والعدوية ، وأيضا على اليسار حيث المنطقة المؤدية إلى الإصطبلات القديمة ... وجراج هيئة النقل العام حاليا. وهنا تكثر العشش والمباني العشوائية والحواري والأزقة الضيقة التي لا تستطيع سيارات الشرطة أو الإسعاف أو المطافئ المرور فيها. وإذا كان التطور قد بدأ يطول حي بولاق ، بعد أن أنشئ المبنى الضخم على كورنيش بولاق ليصبح مقرا للدبلوماسية المصرية كوزارة للخارجية ، مما نتج عنه إزالة العديد من العشش والمباني العشوائية .. وتلك هي الخطوة الثانية بعد أن أزيلت مساحة كبية من المباني العشوائية لنبني مكانها مبنى الإذاعة والتلفزيون الضخم في أوائل الستينيات.
كما بدأت عملية إزالة بعض المخازن القديمة في بولاق ، ورملة بولاق ، والتي كانت عبارة عن مخازن للشركات أقيم مكانها الآن المركز التجاري الدولي ، وبجواره أعلى عمارتين على الكورنيش. وهكذا زحف العمران العصري على ساحل بولاق .. وإن بقيت مساحات كبيرة عشوائية وقديمة من طابق واحد وطابقين ، أشهرها منطقة وكالة البلح ذات السوق التاريخي رخيص الأسعار ، الذي تعرفه أقدام "وجيوب" كل القاهريين .. وغير بعيدة عن وكالة البلح نجد المبنى الحديث لدار الكتب المصرية ومقر الهيئة المصرية للكتاب. وكأننا نعيد إلى المنطقة سمعتها القديمة ، عندما كانت مقرا لأول مطبعة في الشرق .. تلك المطبعة الأميرية التي أقامها محمد علي عام 1827م ، ثم أهداها عباس الأول لأحد أصدقائه ، قبل أني ستعيدها من ماله الخاص الخديو إسماعيل .. وغير بعيد .. وعلى الشاطئ الآخر عند إمبابة ، تقع مباني المطبعة الأميرية "العصرية" التي أقيمت في أواخر الستينيات .. وتتصل مباني حي بولاق .. بمباني حي روض الفرج ، ولم يعد أحد يعرف إلا فيما ندر الفاصل بين الحيين العريقين ولا تاريخهما.
فتوات بولاق .. والثورة لا يمكن لمن يتعرض لكاتبة تاريخ بولاق أن ينسى أنصع صفحات هذا التاريخ. وهي بكل المقاييس من أنصع صفحات التاريخ المصري الحديث ، لأنها تكشف المعدن الأصيل للشعب المصري ، الذي ثار وحارب وقاوم وهو يعلم أن عدوه يملك أحدث الأسلحة .. بينما هو لا يملك إلا النبابيت والعصى .. وعددا محدودا من البنادق والطبنجات .. فماذا يقول تاريخ المقاومة الشعبية المصرية عن بولاق وفتوات بولاق؟ بداية نذكر القارئ أن بولاق كانت بلدة من ضواحي القاهرة .. تقع على شط النيل ، بينما القاهرة في حضن الجبل .. واقصى إستاع لها هو منطقة الأزبكية ، كان هذا أيام الحلمة الفرنسية التي جاءت مصر بقيادة بونابرت عام 1798م. وعرف الفرنسيون أهمية موقع بولاق لأن منها ينطلقون إلى الوجه البحري كله. ولهذا كان إهتمامهم بهذه البلدة عظيما ، وليس أفضل من الجبرتي عندما يصف هذه الفترة لأنه عاشها وعاصرها يوما بيوم.
يقول عبد الرحمن الجبرتي إنه في اليوم الخامس من ديسمبر عام 1798م جدد الفرنسيون قنطرة المغربي ، وكانت قد آلت إلى السقوط. ثم مهدوا الأرض بعدها بحيث صار جسرا عظيما ممتدا مستويا على خط مستقيم من الأزبكية إلى بولاق بطول 1200 مترا من قنطرة المغربي إلى بولاق ، ثم ينقسم بقرب بولاق إلى قسمين أحدهما إلى طريق أبو العلا والثاني يذهب إلى جهة التبانة وساحل النيل .. وبطريقة الطريق المسلوكة الواصلة من طريق أبي العلاء وجامع الخطيري إلى ناحية المدابغ ، دون أن يسخروا العمال ، بل كانوا يعطونهم زيادة في الأجر. وأقام الفرنسيون محاجر صحية في القاهرة "بجزيرة بولاق" والإسكندرية ودمياط ورشيد. ويضيف الجبرتي أن الفرنسيس عملوا "كرنتيلة" بجزيرة بولاق ، وبنوا هناك بناة يحجزون به القدامين من أسفار أياما معدودة. كل جهة من الجهات القبلية والبحرية ، وذكر الدكتور "لاري" كبير جراحي الحملة الفرنسية أنهم أنشأوا محجرا آخر في جزيرة الروضة.
مواقع النشر (المفضلة)