العرب والمسلمون اليوم ، مصابون بداء الهزيمة النفسية إلى درجة الاحساس بالعدم ! فقد بات العربي والمسلم ، شارد الذهن ، حاسر الرأس ، متألم الفؤاد مما ألم به من انكسار وهوان في القرن العشرين وما تلاه . وقد أصابه هذا الداء - داء الهزيمة النفسية - بضياع كامل ، ضياع في الهوية ، والتاريخ ، والواقع ،والمستقبل ، لقد أمسى العربي وأصبح ، لا هم له ولا هدف إلا النظر بانبهار وذهول ،للتقدم المذهل الذي حظي به العالم الغربي اليوم ! إن الذي يجهل الشيء لا شك يجهل ثمنه وقيمته ، والعربي المسلم اليوم يجهل حقيقة ماضيه وتاريخه المشرق بالعلم والإيمان معا ، والذي يجهل الشيء لا يمكن أن يعتز به . لقد مرت قرون على أمتنا العربية والإسلامية وقد كانت الأمة الرائدة في مجالي العلم والإيمان ، وكانت بقية الأمم تتتلمذ على يدها وتنهل من خيراتها العميمة ، ولكن عز اليوم على العالم الغربي أن يعترف بالحقيقة ، فيعترف بالفضل لأصحابه الحقيقيين ، والذين كانوا وراء نهضته ونجاحه . لقد مارس العالم الغربي بالأمس واليوم ، سلسلة من السرقات الفظيعة والشائنة بحق كثير من المنجزات العربية ، وظل يمارس سياسة التعتيم والمكابرة تجاه الحقيقة الغائبة ! ومن تلك المنجزات العربية والتي ُصودرت ، وألصقت زورا وبهتانا بأناس غربيين ما يلي
(1) لقد ألحت كتب التاريخ الغربية على نسبة اختراع البوصلة للإيطالي ( فلافيو جويا ) عام (1302م) ، والحقيقة الغائبة هي أن المخترع الحقيقي للبوصلة هو العالم المسلم( جابر بن حيان ) وقد أجرى تجاربه على البوصلة في القرن الثامن الميلادي . ولذلك حاول بعض الغربيين - حسدا من عند أنفسهم - أن ينسب الإختراع للصينيين تشفيا بالغريم القديم بالعرب ! ولكن مؤرخي الصين أنفسهم قد نصَوّا على أن العرب منذ القرن التاسع الميلادي خاضوا المحيط بسفنهم في ظلام الليل، وقد اتخذوا البوصلة عام (854 م) في رحلاتهم البحرية ، وذلك قبل الإيطالي ( فلافيو جويا ) بنحو خمسمائة عام ! (2) لقد عز على الغرب أن يعترف بأن العرب والمسلمين هم مخترعو البارود ، ولذلك أوجدوا شخصا غربياً ينسبون له ذلك الاختراع الكبير ، ألاوهو الراهب الألماني ( برتهولد شفارتز) عام 1359ميلادية . ولكن الحقيقة الغائبة، ُتكذب ذلك وتقول إن العرب هم المخترعون الحقيقيون للبارود ، وقد استخدموه في حروبهم ضد الأسبان سنة ( 1325 م) وما بعدها ، بل قد استخدموه قبل ذلك وفي سنة ( 1219 م) في حربهم ضد ملك فرنسا الملك لويس التاسع ، حينما استرد الملك الكامل دمياط ! ولكن بعض الأوروبيين كَبُرعليه أن ينسب هذا الفضل للمسلمين والعرب فنسب الاختراع للصينيين ! ولكن الحقيقة غير ذلك بتاتا ، فالصينيون أنفسهم لم يستخدمواالبارود في حربهم المصيرية الفاصلة ضد المغول سنة (1232) بل راحوا يرمونهم بالسهامالمشتعلة رؤوسها لإشعال الحرائق فحسب ، ولذلك نرى ( الخان الأكبر قبلاي المغولي ) يطلب من السطان العربي سنة (1270) أن يمده بمهندسين من دمشق وبعلبك ليستخدم البارودفي حربه مع الصين ، وفعلا ذهب معه خبراء عرب ، وتم له النصر وفتح الصين عام (1279) ! (3) لقد نسب الغرب للجراح الفرنسي ( أمبرواز باري ) أنه هو أولمن قام بإيقاف نزف الأوعية الدموية الكبرى عام (1552) ولكن الحقيقة غير ذلك ،ً حيثأن هذا السبق كان من نصيب الطبيب العربي أبو القاسم خلف الزهراوي عام (1013) ! وليس هذا هو أول عمل وانجاز له يسطو عليه الغرب ، بل كان السطو عليه كثيرا ، فأبوالقاسم هو أول من نصح بوضع التدلي أثناء التوليد (HANGELAGE ) ولكن وللأسف نسب ذلك للألماني ( فالخر) حتى صار يعرف هذا السبق باسم / (التدلي الفالخري - WALCHER LAGE ) !! وايضا كان مما نصح به الطبيب أبوالقاسم ذلك الوضع في إجراء الجراحة في تجويف أسفل السرة بحيث يرفع الحوض والعجيزة والقدمان ، ولكن الغرب انتحل هذا السبق ونسبه إلى الألماني ( فريدرش ترندلبرج ) حوالي سنة (1900م) وُسمي باسم / (الوضع الترندلبرجي - TRENDELBERG FRIEDRICH ) !! وليس هذا فحسب ، بل إن تشخيص أبو القاسم لمرض الفِقر والمفاصل قد نسب إلى ( برسيفال بوت) حوالي سنة (1700م) وخلده تاريخ الطب الغربي والعالمي باسم / ( البلاء البوتي - PERCIVAL POTT ) !! (4) أما اكتشاف الدورة الدموية ،ذلك الاكتشاف الكبير ، الذي لم يرض الغرب بأن ينسب الفضل فيه إلى عالم مسلم عربي ،ولذلك نسبه إلى الأسباني ( ميكائيل سرفت - 1553م) والانجليزي ( ويليام هارفي - 1616م) ، ولكن الحقيقة المرة تقول إن الفضل في اكتشاف الدورة الدموية هي للعالم المسلم الشهير ( ابن النفيس الدمشقي ) رئيس أطباء مستشفى الناصر سنة (1260م) ، بل يتفاجأ المنصف وهو يجد أن كلمات (ميكائيل سرفت ) هي بحد ذاتها كلمات ابن النفيس ، وبينهما ثلاثمائة سنة ، فياله من سطوٍ وانتحال فظيع لأفكار ومنجزات الغير !! وهناك الكثير الكثير من المخترعات والمنجزات العربية ،في الطب ، والصيدلة ، والكيمياء ، والفيزياء ، والحساب ، والفلك وغيرها ، قد طمره التاريخ بالنسيان ، وُنسب الكثير منه لغير أصحابه الحقيقيين ! تقول المستشرقةالألمانية ( زغريد هونكه ) : (إن إنجازات علماء العرب من أطباء ،وكيمائيين ، ورياضيين ، وفلكيين ، كل هذا هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قرونا ، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة ، لقد شق على الغرب دائما أن يعترف بالأحقية العربية في الوضع والتأليف والابتكار ، وظل حتى عهد ليس بالبعيد يبذل كل طاقاته لدفع ذلك وتفنيده ) ! ومما يؤسف له أن كثيرا من أبناء المسلمين اليوم واقعون تحت تأثير الهزيمة النفسية والتي كانت بسبب الهزيمة الشاملة التي أصيب بها عالمنا الإسلامي والعربي ، هزيمة طالت كافة المجالات ، الفكرية منها ، والعلمية، والاقتصادية ، والسياسية ، والروحية ! إن شبيبة اليوم ، ينظرون لماضيهم بعين السخط والازدراء والكراهية ، وينظرون إلى الغرب بعين الإكبار والإجلال والتعظيم ،فصار لدينا جيل ، مقطوع من جذوره ، فلا هو ينتمي حقيقة إلى أمة عظيمة ( أمته الإسلامية ) ، ولا هو صار من أمة قوية عظيمة ( الأمة الغربية ) ! إن الشباب العربي اليوم صار كالمنقطع الذي لا أصل له ، ولا جذر ، ولا ثمر طيب ، فتراه يروح يمينا ويغدوا شمالا ، يقتات هنا تارة من الفتات المتساقط من مائدة الماركسية واليسارية ، ثم تارة ينتقل ليقتات من بقايا الفتات المتناثر من مائدة الغرب الليبرالي ، ويدع الوليمة الدسمة الغنية التي بين يديه !
والسؤال الذي ُيطرح بقوة وإلحاح هو/ من المسؤول عن هذا التضليل والتعتيم الكبير الذي يحيط بالجيلالعربي ؟ هل هو الغرب ؟ أم القنوات الفضائية العربية ، والتي كرست جهدها وساعاتها لتبث كل ماجن وساقط من الأغنيات والأفلام والملتقيات ؟ أم المدرسة والجامعة ؟ أم الأسرة والمنزل؟ لا شك أن الهزيمة التي يعاني منها جيل اليوم هزيمة عامة وشاملة ، ولذلك يجب أن يكون الاصلاح عاما وشاملا ، يبدأ من الأسرة والمرأة والطفل ، وينتهي إلى أعلي المستويات شاملا الجهات الاعلامية والتوجيهية . إن أي أمة تريد أن ُتوجـِد لهامكانا لائقا بين دول العالم عليها أن تصنع الشباب ، لأنهم عماد الأمة وقوام نهضتها، ولا يمكن أن نصنع الشباب إلا إذا صنعنا الأطفال صناعة ماهرة وجيدة ، ولا يمكننا أن نصنع الأطفال إلا إذا أجدنا وأحسنا صناعة المرأة ، والتي تجعل لها هدفا واحداونبيلا ألا وهو صناعة جيل المستقبل ، الذي تنهض على يديه بلادنا الغالية . إن اليابان ، وبعد هزيمتها النكراء في الحرب العالمية الثانية ، راحت تفتش عن الخلل في نظامها التربوي التعليمي ، لعلمها أن أي رقي أو تقدم لا يكون إلا بسواعد شباب الوطن، فلا بد من تربية جادة ولا بد من تعليم صالح ، ولذلك وجدنا المرأة اليابانية تترك عملها - وهي المرأة المتحضرة - بعد زواجها أو على أقصى حد إذا ُرزقت بمولودها الأول، كي تتفرغ لصناعة جيل المستقبل الذي سيكمل بدوره دورة الحضارة والتقدم . وكذلك نجد الولايات المتحدة الأمريكية ، تهرع وتذهل بعد تفوق السوفييت عليها وذلك بإطلاق أول قمر صناعي في الفضاء وهو القمر ( SPUTNIK 1) في اكتوبر عام (1957 م) ، ولذلك نجد المسؤولين في امريكا يتلمسون الخلل في مجالي التربية والتعليم ، فقامت بعملية تغيير شاملة للمناهج الدراسية ، ولم تمض سنوات حتى تفوق الإمريكان في مجال الفضاء . التعليم والتربية هما اساس الرقي والتقدم في أي أمة ، ويوم كانت البلادالإسلامية منارات علم وإيمان كنا قادة العالم ، وكانت أوروبا تغط في نوم عميق ،وسبات طويل في كهفها المظلم ! ما أجل تلك الرسالة التي لا زال التاريخ يحفظها ،تلك الرسالة التي بعث بها الملك الأوروبي ( جورج الثاني ) ملك انجلترا وفرنساوالنرويج إلى الخليفة الأموي بالأندلس ( هشام الثالث ) ، فبعد أن بدأ الرسالة بالتوقير والتعظيم قال : ( سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهدالعلم في بلادكم العامرة ، فأردنا لبلدنا اقتباس هذه الفضائل ، لنشر العلم فيبلادنا ، التي يحيطها الجهل من أركانها الأربعة ، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة " روبانت " على رأس بعثة من بنات الأشراف الانجليز ... خادمكم المطيع جورج ) ! إن لنا تاريخا وماض عظيم ، نستلهم منه القوة والعزة وبداية الانطلاق ، ذلك الماضي الذي يحاول بعض أبنائنا أن يدفنه ويهيل عليه التراب ، لأنه مهزوم في أعماقه ، مأسورببريق أمة ليست بأمته ، ولذلك فإن الأمة حين تكون في حالة تخلف أو جمود ، فإن انتفاعها بمبادئها ، وبالامكانات المتاحة لها ، يكون ضعيفا أو معدوما ! أرجو أن لا يستعيض ولا يستغني العرب عن ماضيهم المشرق العظيم ، وعن بطولاتهم ومنجزاتهم العلمية الرائدة ، ويكتفوا ببعض الإنتصارات والانجازات الرياضية !
مواقع النشر (المفضلة)