2.0 الزراعة والثقافة المقاومة:
الزراعة واحدة من عناصر الاقتصاد والذي أصبح بعد الحكومة العاشرة اقتصادا يسعى إلى التحرر من الارتباط والتبعية لاقتصاد دولة الكيان الصهيوني، فصار اقتصادا مقاوما وأصبحت الأنشطة الزراعية كافة تحمل فكر المقاومة وتسعى إلى الاستقلال الزراعي تماما ما يسعى المقاومون بالسلاح إلى التحرر من الاحتلال الصهيوني للأرض واستعادة كافة الحقوق السياسية والمدنية لشعبنا الفلسطيني.
ولم يعد مستهجنا أن تكون لنا زراعة مقاومة وإنتاجا زراعيا يشكل رافعة للمقاومة السياسية والمقاومة المسلحة جنبا إلى جنب، وقد يرى البعض منا موقع الزراعة متقدما على غيره من المواقع الدفاعية الأخرى على اعتبار أن إحلال الواردات الأكبر الذي يمن تحقيقه سيكون في مجال الزراعة والإنتاج الزراعي،
العلاقة بين الزراعة والثقافة:
جاء في((السِّجل الثقافي)) لوزارة المعارف المصرية ذكر كتاب عنوانه((الثقافة الزراعية: بحوث مبسطة علمية وعملية في فنون الزراعة)).
والزراعة جزء أصيل من ثقافتنا الفلسطينية وإن اختلف في تعريف الثقافة كفن من الفنون أو كفرع من فروع التعليم، ونترك هذا الجدل لأهله من أهل الأدب فهم أقدر منا على التصنيف اللغوي وإيجاد الصيغ.
الزراعة وتطويع الثقافة المقاومة لمقاصدها:
تنظر وزارة الزراعة إلى صناعة الزراعة على أنها وسيلة وأداة من أدوات المقاومة التي لا تقل شأنا عن السلاح مهما اشتدت قوته أو ازداد مداه، وهي ترى أن الزراعة هي خط الدفاع الأول عن المقاومة وعن الأمة، فمن لا يملك طعامه لا يملك حريته ويسهل انتزاع قراره من يده ومن فكره.
وتصلح الزراعة أن تكون سلاحا هجوميا في الوقت ذاته فيحارب بها العدو في موقعه أو في خارج موقعه، ولها من النتائج ما يذهل حقا وليس بعيدا عنا مقاومة المهاتما غاندي وثقافته المقاومة، وإن اختلفنا معه في العقيدة والتوجه والهدف، ولدراسة أكثر تعمقا وأكثر تحليلا نرى أن مراجعة التخطيط الزراعي واستخدامات الأراضي والموارد الطبيعية ودور المنتج الفلسطيني أو غيابه عن التخطيط وما كان لهذا الأمر من نتائج.
التخطيط الزراعي وبرنامج الاقتصاد المقاوم:
لم يكن المخطط الزراعي الفلسطيني حاضرا في أي زمن من الأزمان الماضية والتي نقصد بها القرن الخامس عشر أو ما بعد الفتح العثماني وقيام دولة الخلافة العثمانية وطرد الغزاة الصليبيين والمغول، وقد كان الغياب هذا، إما بفعل الاحتلال الذي كان هو المسيطر على التخطيط والتوجيه أو لأسباب أخرى سنعرج عليها فيما سيأتي عند تحليلنا لكل مرحلة من هذه المراحل على حدة،ولسنا بصدد تعليق كافة أخطائنا على شماعة الاحتلال ولكن المحتل كان حاضرا بشدة عندما غابت ثقافة المقاومة وحين ترك المزارع على عواهنه يعمل دون إرشاد واع ورشيد، ودون قيادة تعرف ما تريد تماما كما يحدث اليوم ونحن ندير التخطيط إدارة مقاومة.
وفي مراجعة سريع لمراحل التخطيط الزراعي في فلسطين، نستطيع أن نؤرخ لسبعة مراحل كانت على التوالي:
1. مرحلة الخلافة العثمانية (1417 – 1917 م):
وكانت الزراعة تخدم برنامج الدولة الشمولية والتي كانت تسعى أولا لإنتاج المحاصيل المطرية فقط كمحاصيل أساسية لتغطي العجز في مناطق الندرة على حساب مناطق الوفرة لتبقى الدولة مؤمنة في برنامج فتوحها العسكرية التي تحمل الرقم الأول في سلم أولوياتها، خاصة منذ منصف القرن التاسع عشر، ومحاربتها على جبهات متعددة وبدء أفول نجمها كقوة عظمى وتفسخ الدولة ناهيك عن أن الزراعة لم تكن قد تطورت كثيرا عن الزراعة القديمة حتى في العهود السحيقة ذاتها.
2. مرحلة الاستعمار البريطاني (1917 – 1948 م):
عملت قوات الاحتلال بنفس التوجه السابق وللغايات ذاتها إلا أنه قد أضيف إلى هذه الغايات محاولة تدمير القطاع الزراعي وإفقار المزارعين كسياسة مخطط لها ترمي إلى بيع المزارع أرضه في نهاية المطاف. وإن كان قد حدث بعض التطور الزراعي فهو أيضا لصالح المستهلك في المملكة البريطانية الذي تسعى حكومته إلى تلبية حاجياته من مستعمراتها وبالأسعار التي تضمن رفاهيته وفي الوقت ذاته تحمي المنتج من أية منافسة أجنبية بما تنتجه من المزارع في المستعمرات الخاضعة لحكومة المملكة البريطانية.
3. مرحلة الإدارة المصرية(1948 – 1967 م):
لم يكن في فترة الإدارة المصرية لقطاع غزة أي نشاط يمثل وزارة أو إدارة للزراعة، وكل ما أقيم بعد عام 1955 م كان مكتبا بسيطا لإدارة العمل الزراعي ولم يكن في قطاع غزة في ذلك الوقت سوى تسعة مهندسين زراعيين فقط، لهذا أسندت إدارة القطاع الزراعي إلى طاقم من الخبراء الزراعيين المصريين وهم الذين خططوا وأداروا القطاع الزراعي إلا أن الواقع الاقتصادي السيئ، كان الضاغط والمؤثر الأول على توجه المخطط المصري، والذي جعله يتجه إلى زراعة الحمضيات (مشروع عامر في غزة ومشروع ناصر في خانيونس) كبرنامج خلق فرص عمل للحد من البطالة والفقر المدقع الذي عانى منه قطاع غزة المحاصر، إضافة إلى مناسبة المناخ والخبرة الفلسطينية الكبيرة المتراكمة على مدى عقود ليست بالقليلة في إنتاج الحمضيات، والميزة النسبية والاسم التجاري المنافس للحمضيات الفلسطينية المنتجة من غزة كوريث شرعي ليافا سيدة الحمضيات على مستوى حوض البحر المتوسط قاطبة.
إلا أن المخطط كان قد فاته أن الموارد المائية المحدودة ستكون الضحية الأولى التي ستدفع ثمن التوسع غير الواعي الذي أوصل مساحة الحمضيات إلى ما يزيد عن 73 ألف دونم، وكانت تستهلك قرابة 70 مليون متر مكعب من المياه، أي أن الحمضيات كانت لوحدها تستهلك ما يزيد عن التعويض السنوي في الخزان الجوفي بما يزيد عن 15 مليون متر مكعب، ونكون بمجرد خطأ بسيط كهذا قد أصبحنا على شفير الأزمة المائية التي تفاقمت لاحقا حتى أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم من شح وتلوث وندرة للمياه.
4. فترة الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة: (1967 – 1994 م)
لا شك أن الأزمة الحقيقية هي احتلال فلسطين واغتصاب الموارد الطبيعية لها، وأن العدو هو المسئول الأول عن كافة المشاكل البيئية والاقتصادية والإنسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة وكافة مناطق الشتات التي وصلتها فلول شعبنا المشرد والمطارد، إلا أننا سننظر إلى الأمر من زاوية القراءة الاقتصادية للتخطيط الزراعي فقط، فنجد أن الاحتلال الصهيوني قد درب طاقما متكاملا في كافة المجالات الزراعية ولكن هذا الطاقم لم يمارس التخطيط نهائيا ولم يكن له من دور في ذلك إلا تمرير رسالة الإرشاد الزراعي إلى المزارع، وقد استغل المخطط الزراعي الصهيوني ما لدى المزارع الفلسطيني من خبرة وجهد وفاقة، فصمم برامج إدارة الزراعة من منطلق امتلاكه للموارد كافة واحتكاره للمنتج والمنتج والسوق والتسويق، من هنا كان المخطط أن تستمر زراعة الحمضيات طالما استمر التسويق إلى العالمين العربي وإيران أي من 1967 حتى 1987 م، وقد أدخلت الزراعة المكثفة "الدفيئات" منذ بداية السبعينيات، ووصلت أعدادها إلى ما يزيد عن 16 ألف دفيئة تنتج محاصيل الخضار لأغراض التصدير، كما أدخلت مساحات كبيرة من الفراولة (600 دونم) والزهور (400 دونم)، وكما هو معلوم فإن احتياجات الدونم الواحد تزيد عن 1200 متر مكعب من المياه سنويا، أما العائد المالي للمحصول فهو لا يزيد عن 10 % مما يجب أن يحصل عليه المزارع، والسبب الأكيد وراء هذا أن الاحتكار الصهيوني للتصدير عبر شركاته وغياب التمثيل الفلسطيني للمنتج في الأسواق العالمية الأمر الذي جعل الخسارة مضاعفة بين ضياع الموارد العزيزة وعلى وجه الخصوص المياه، بينما المستفيد هو الاحتلال ومن كانوا يتعاونون معه مقابل دراهم معدودات أو امتيازات وهمية ترقى إلى مستوى التواطؤ مع العدو في أحسن أحوالها.
لا ننسى أن أول تجربة لمقاومة برامج الاحتلال الصهيوني الزراعية كانت قد بدأت في فترة الانتفاضة الأولى، وقد اعترف الاحتلال بخسارته مليارات الدولارات جراء الحصار الذي ضربته قيادة المقاومة على الزراعة والمنتجات الزراعية الصهيونية، ولا بد أن قرار المقاومة الزراعية كان قد تبلور على أيدي العلماء الفلسطينيين، وفي الجامعة الإسلامية على وجه الخصوص كما يؤكد الكثيرون ولعلها كانت تقود الكثير من فعاليات الانتفاضة ولو ومن وراء ستار حسب ما يروى، كان من أوامر الانتفاضة بعض أشكال الاقتصاد المقاوم وإحلال الواردات، حين تم منع استيراد الفواكه المستوردة من داخل فلسطين المحتلة ولكنها تجربة لم تكن تامة النضج، وقد سرقت الانتفاضة من أيدي قادتها وصناعها لتقبع في أيدي السياسيين الذين خدعوا بحسن نواياهم أو بغير ذلك لتكون الاتفاقية وبالا على الشعب الفلسطيني قاطبة.
5. سلطة الحكم الذاتي (1994-2006 م):
كانت سلطة الحكم الذاتي نتاج اتفاقية أوسلو (1993 م) والتي تعتبر السقطة الأكبر في تاريخ النضال الفلسطيني، ولعل أهم ما يميز التخطيط الزراعي الفلسطيني في هذه المرحلة هو التبعية غير المعلنة لاقتصاد الصهيوني والتي تأكدت بعد اتفاقية باريس 1993 م والتي يقول فيها الباحث والخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر عبد الرازق يوم 2008-05-22 م في موقع
http://tharwacommunity.typepad.com/tharwa_palestine
"أثرت التبعية الاقتصادية الفلسطينية لإسرائيل بشكل كبير في ضرب الاقتصاد الفلسطيني بحيث أصبح رهينة لمخططات الاحتلال دون أن تكون له خطة مستقلة وواضحة. فلا يخفى على أحد بان اقتصادنا الفلسطيني عانى ولا يزال من ضربات عصيبة أفقدته كثيرا من مقومات وأساسيات النجاح، الأمر الذي كان له آثار سلبية على المجتمع الفلسطيني بشكل عام والقطاع الخاص تحديدا، الأمر الذي أدى إلى تفاقم نسبة الفقر وعجز القطاع الحكومي والخاص على مقاومته وتقنينه، فقد بلغت نسبة الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني لأعلى مستوياتها وازدادت معدلات الهجرة إلى خارج الوطن بسبب الحصار والإغلاق و تراجع الأداء الاقتصادي وتدمير البنية التحتية وتثبيت الحواجز والمعازل والجدران المصطنعة من قبل سلطات الاحتلال لإبقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في حالة تأزم مستمرة ، تنعدم فيها فرص العمل وتتلاشى إمكانيات إنعاش الاقتصادي الفلسطيني الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه " اقتصاد مزقته الحرب " وهذا بديهي حيث أن الاستثمار يحتاج إلى الأمن والأمان والحماية السياسية والاستقرار من اجل أن يزدهر".
"وقبل هذا لابد لسوقنا الفلسطيني من التحرر من اتفاقية باريس الاقتصادية التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل عام 1993 والتي تنص على عدم قدرة السلطة على استيراد بضائع أو منتجات إلا عن طريق الموانئ والمطارات الإسرائيلية, وهذا يعني ضرائب وجمارك إسرائيلية تمنع منافسة الأسعار وتؤدي في النهائية إلى وصول سعرها في السوق الفلسطيني إلى نفس سعرها في السوق الإسرائيلي، كما أن محاولات رجال الأعمال العرب مساعدة الشعب الفلسطيني والاستثمار المحلي لن تتأتى إلا من خلال نسف أو إعادة صياغة بنود اتفاقية باريس في أسوأ الأحوال والتي يقول الباحثون الاقتصاديون عنها: "إن هذه الاتفاقية احتوت على الكثير من الجوانب السلبية والتي تفوق الايجابيات التي كانت متوقعة منها"، ورغم مرور عدة سنوات على انتهاء المرحلة التي قيل إنها انتقالية، نجد أن هذه الاتفاقية لا تزال مطبقة، وتعمل إسرائيل على ترسيخ الجوانب السلبية منها بالقوة من خلال السيطرة المطلقة على المنافذ والمعابر الحدودية، وكذلك توحيد الأسعار للكثير من الخدمات والسلع الأساسية بين فلسطين واليان الصهيوني مع الفارق الكبير بين اقتصاد الجانبين، حيث زادت الاتفاقية الفجوة الموجودة أصلا بين المجتمعين من الناحية الاقتصادية، وألحقت بالمواطن الفلسطيني أضراراً فادحة فجلبت له الفقر والحرمان والبؤس".
وتعكس هذه الكلمات العميقة من خبير اقتصادي معتمد ما سبق وأشرنا إليه من سوء الاتفاقية الاقتصادية هذه.
مواقع النشر (المفضلة)