ما الذي يحدث في مصر في تلك الأرض التي وطأتها أقدام أنبياء كرام : إبراهيم ويعقوب ويوسف
وموسى وهارون والتي منذ أن فتحها الصحابي الجليل عمرو بن العاص السهمي وشيد فيها أول
مسجد في قارة إفريقيا الذي تعرف قبلته بقبلة الإجماع أضحت بلدا للعلم والعلماء ومنارا للإسلام
والمسلمين على مدى العصور والقرون ، فمنها كان ابن وهب وابن القاسم وابن حبيب أصحاب
مالك بن أنس ، ومنها كان ابن حجر العسقلاني ومحمد بن عبد الرحمن السخاوي والإمام السيوطي
وابن دقيق العيد الشافعي والقرافي والشيخ خليل بن إسحاق المالكي صاحب المختصر المعروف عند المالكية والشيخ الطحاوي صاحب- العقيدة الطحاوية- ... كما كانت مصر تفتح أبوابها للعلماء
من شتى الأقطار الإسلامية دخلها الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي وفيها قبض ودفن
ودخلها شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبدالحليم المشهور بابن تمية ، وكذلك سلطان العلماء
العز بن عبدالسلام واللائحة تطول .
كما أنشئ في أرض الكنانة جامع الأزهر الذي لا ينكر فضله أحد ففيه تخرج علماء ودعاة أفذاذ
نشروا الإسلام في أرجاء المعمور الأربعة .ثم إن مصر كانت دائما حامية لبيضة الإسلام بفضل
من الله سبحانه وتعالى ثم حكامها كالأيوبيين والمماليك الذين صدوا حملات الصليبيين وغزوات
المغول التتار ، ويكفي مصر شرفا أن أصبحت عاصمتها القاهرة ملاذ الخلافة العباسية إثر سقوط
بغداد .
بعد هذا التاريخ المنير المشرق والغيث الذي أوله خير وآخره خير صدمنا حين منحت الدولة المصرية جائزة الدولة التقديرية لرجل إمعة رويبضة وهو المدعو - سيد القمني - هذا الرجل الذي
يزدري الإسلام علانية ويسب رسوله صراحة في كتبه بدعوى التنوير ونبذ التقليد وبدعوى ما يسمونه -القراءة الجديدة للإسلام وتاريخه - . هذا الرجل الذي يقول إن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان منفذا لخطة جده عبد المطلب لا أقل ولا أكثر ، هذا الرجل الذي يصف الإسلام بأنه
دين مزور أي ليس بوحي من عند الله ، هذا الرجل الذي يدعي أن الرسول لقن أصحابه الوحشية
والكراهية ، هذا الرجل الذي يزعم أن عبد المطلب كان يعول في خطته على يهود الجزيرة ، هذا
الرجل تمنح له الجائزة التقديرية .
فما معنى أن تمنح لهذا الرويجل جائزة تقديرية ، المعنى أن من منحها له يقدره على سبه الإسلام
وشمته الرسول ويخلع عليه الجائزة فيشجعه على المضي قدما في هذا الأمر ، بل يشجع غيره
من المتزلفين أو من أصحاب القلوب المريضة على أن يحذوا حذوه ويقتفوا أثره ، فألا ليت شعري
كيف يمكن مثل هؤلاء القوم من أن يهدموا أركان الإسلام بمعاول الفلسفات الملحدة ، فوالله ما استطاع فعلها الزنادقة والشعوبيون أيام دولة بني العباس كأمثال ابن المقفع وبن سينا وإخوان الصفا، فجاء هؤلاء ليتموا ما عمل أجدادهم .
فيا أبناء مصر كونوا كما عهدناكم ذابين عن دينكم وعن أصوله ولا تجعلوا نواصيكم بيد دعاة إلى
جهنم وذروا ما كتبه آباء هذا القمني كأحمد أمين وتوفيق الحكيم وطه حسين ولطفي السيد وقاسم
أمين ، وعليكم بما كتبه أديب مصر العظيم أبو فهر محمود شاكر وغيره من الأدباء الملتزمين .
والله ولي التوفيق.
ما قلت الكلام الذي عرضته آنفا على أنظاركم إلا لغيرتي على مصر التي أعتبرها وباقي بلادالإسلام
بلدا لي .
وتأسيسا على ذلك أعطيت لنفسي الحق أن أقول ما قلت معتقدة أن إخواني المصريين في هذا الملتقى سيفهمون قصدي تمام الفهم فكلنا ولله الحمد مسلمون تجمعنا كلمة التوحيد .
أي نعم أقام العلماء والشرفاء في مصرالدنيا ولم يقعدوها هذا أمرطيب وحسن ولكن أقول ما دور الرقابة وما دور المسؤولين ، إن الحريةلا تعني بأي شكل من الأشكال الفوضى أوالفوضوية
-anarchisme- بل إن للحرية حدودا يحرم ويمنع أن تتجاوز توافقا مع معتقدات وثقافة وحضارة
المجتمع على اختلاف طبقاته .
فإذا ما لم يمنع أمثال هؤلاء من الكتابة والتعبير عن آرائهم فإن المجتمع ستتخلخل وتتقوض أركانه
وسنزيد علماءنا عبئا هم في غنى عنه .
مواقع النشر (المفضلة)